قوله تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ حَسْبُكَ ٱللَّهُ } المعنى: توكل عليه وثِقْ به، فهو يكفيك أمر أعدائك. قوله: { وَمَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } جائز أن يكون في موضع نصب عطفاً على تأويل الكاف من " حَسْبُكَ " ، على معنى: يكفيك ويكفي أتباعك المؤمنين. قال الشاعر:
إذا كَانَتِ الهَيْجَاءُ وانْشَقَّتِ العَصَا
فَحَسْبُكَ والضَّحَّاكُ سَيْفٌ مُهَنَّدُ
وجائز أن يكون في موضع رفع، على معنى: حسبك الله وأتباعك المؤمنون. والأول قول ابن عباس والأكثرين. والثاني قول مجاهد.
وقال الثعلبي: كل من خفض، عطفاً على الكاف في قوله: " حسبك الله ". قلت: وهذا قبيح عند النحاة؛ لأن عطف الظاهر المجرور على المكنى ممتنع، وقد ذكرنا علته فيما مضى. قوله تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ حَرِّضِ ٱلْمُؤْمِنِينَ عَلَى ٱلْقِتَالِ } أي: بالغ في حَثِّهم عليه، حتى تعلم من تخلَّف منهم عنه أنه حارض، أي: مقارب للهلاك، ومنه:{ حَتَّىٰ تَكُونَ حَرَضاً } [يوسف: 85]. هذا قول الزجاج. قال ابن عباس: حَرِّضهم على نصر دين الله. { إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ } هذا خارج مخرج البشارة، والإعلام بأن النصر [مقرونٌ] بالصبر. قال أكثر المحققين: صورته صورة الخبر، ومعناه: الأمر. { وَإِن يَكُنْ مِّنكُمْ مِّئَةٌ } قرأ أهل الكوفة: " يكن منكم " بالياء على الموضعين؛ نظراً إلى معنى المائة، ولتذكير المخاطبين، وافقهم أبو عمرو في الأولى، وقرأهما الباقون بالتاء؛ لتأنيث لفظ المائة. ولله [درّ] أبي عمرو البصري ما كان أبصره بالعربية وأدراه بالمعاني وأحذقه في الدراية، وأصدقه في الرواية. ومن تلمّح سرّ اختياره التذكير في الموضع الأول لقوله: " يغلبوا " ولم يقل: " تغلب " ، والتأنيث في الموضع الثاني لتأنيث الصفة وهي " صابرة " ولم يقل: " صابرون " ، علم فوز ابن العلاء بالمعلّى من بين العلماء. قوله تعالى: { بِأَنَّهُمْ } أي: بسبب أن المشركين قومٌ جهلة، لا يُقاتلون رغبةً في الثواب ولا رهبةً من العقاب. قال مجاهد: كان هذا التشديد يوم بدر. وقال ابن عباس: أمر الله الرجل من المسلمين أن يقاتل عشرة من الكفار، فلما شقّ ذلك عليهم رحمهم فأنزل: { ٱلآنَ خَفَّفَ ٱللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً }. قرأ عاصم وحمزة: " ضَعْفاً " بفتح الضاد، وضمها الباقون، وهما لغتان بمعنى. وقد ذكرنا نظائرها فيما سبق. وقرأتُ على شيخنا أبي البقاء لأبي جعفر يزيد بن القعقاع: " ضُعَفاءَ " بضم الضاد وفتح العين والمد والهمز، جمع ضعيف. وقرأتُ على أبي [عمرو] عثمان بن مقبل الياسري للمُفَضَّل عن عاصم: " وعُلم " بضم العين، " ضُعفاء " مثل أبي جعفر، إلا أنه يرفع الهمزة على ما لم يُسمَّ فاعله. ثم بيّن ما به وقع التخفيف عنهم فقال: { فَإِن يَكُنْ مِّنكُمْ مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوۤاْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ ٱللَّهِ }.