قوله تعالى: { وَلاَ تحسبن } وقرأ ابن عامر وحمزة: " يحسبن " بالياء، لما اكتنف ذلك من ألفاظ الغيبة، فيكون المفعول الأول محذوفاً تقديره: لا يحسبن الكافرون أنفسهم سبقوا. أو يكون المعنى: لا تحسبن محمد والسامع أن { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ سَبَقُوۤاْ }. أو يكون التقدير: أن سبقوا، فحذف " أَنْ " كما في قوله:{ وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ ٱلْبَرْقَ خَوْفاً } [الروم: 24] فتسدّ " أَنْ " مسدّ [المفعولين]؛ كقوله:{ أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتْرَكُوۤاْ } [العنكبوت: 2]. وقيل: التقدير: لا يحسبنهم الذين كفروا سبقوا، فحذف الضمير لكونه مفهوماً. وقيل: وقع الفعل على " إنهم لا يعجزون " على أنّ " لا " صلة، و " سبقوا " في محل الحال، يعني: سابقين أي: [مفلتين] هاربين. وقرأ الباقون: " تحسبن " بالتاء، على الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم. وقوله: " الذين كفروا سبقوا " مفعولا " حسب " ، وهو الوجه الظاهر النير الذي لا تعسف فيه ولا تمحل. وحيث جاء هذا الحرف في القرآن: تحسبن، وتحسبهم، وتحسب، ويحسبون، وما جاء منه على صيغة الاستقبال، قراءة ابن عامر وعاصم وحمزة بفتح السين، والباقون بكسرها. قال شيخنا أبو البقاء عبدالله بن الحسين اللغوي رحمه الله: فَعِلَ مثل عَلِمَ، فمستقبله يفعَل، بفتح العين، إلا أربعة أحرف: حَسِبَ يَحْسِب، ويَئِس يَيْئِس، وبَئِس يَبْئِس، والفتح في كلها جائز. ومعنى { سَبَقُوۤاْ }: فاتوا. ثم استأنف فقال: { إِنَّهُمْ لاَ يُعْجِزُونَ } وفتح ابن عامر الهمزة على إضمار اللام وحذفها، أي: لأنهم لا يعجزون. وقرأ ابن محيصن: " يُعْجِزُونِ " بكسر النون. قوله تعالى: { وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَّا ٱسْتَطَعْتُمْ مِّن قُوَّةٍ } قال السدي وابن قتيبة: هو كل ما يتقوى به من سلاح وكُراع. وفي صحيح مسلم من حديث عقبة بن الحارث بن عامر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر يقول: " وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة، ألا إن القوة الرمي " ثلاثاً " ". واعلم أن هذا ليس على وجه حصر القوة في الرمي، إنما هو إعلام بما في الرمي من شدة النكاية في الحرب وحثٌ على تعاطيه، ولهذا قال عليه السلام: " ارموا واركبوا، وأن ترموا أحب إليّ من أن تركبوا ". وقال صلى الله عليه وسلم: " من بلغ بسهم في سبيل الله فهو له درجة في الجنة، ومن رمى بسهم في سبيل الله فهو عدل محرر ". قوله تعالى: { وَمِن رِّبَاطِ ٱلْخَيْلِ } أي: ما يُربط منها في سبيل الله، ويجوز أن يكون جمع ربيط؛ كفصيل [وفِصَال]. وقرئ " ومن رُبُط " بضم الراء والباء، وسكون الباء أيضاً، جمع رباط. فإن قيل: الخيل من جملة القوة، فلم خُصَّتْ بالذِّكْر؟ قلت: للمعنى الذي ذكرته في الرمي، ألا ترى إلى قول الشاعر: