الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ سَبَقُوۤاْ إِنَّهُمْ لاَ يُعْجِزُونَ } * { وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَّا ٱسْتَطَعْتُمْ مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ ٱلْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ ٱللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ }

قوله تعالى: { وَلاَ تحسبن } وقرأ ابن عامر وحمزة: " يحسبن " بالياء، لما اكتنف ذلك من ألفاظ الغيبة، فيكون المفعول الأول محذوفاً تقديره: لا يحسبن الكافرون أنفسهم سبقوا.

أو يكون المعنى: لا تحسبن محمد والسامع أن { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ سَبَقُوۤاْ }.

أو يكون التقدير: أن سبقوا، فحذف " أَنْ " كما في قوله:وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ ٱلْبَرْقَ خَوْفاً } [الروم: 24] فتسدّ " أَنْ " مسدّ [المفعولين]؛ كقوله:أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتْرَكُوۤاْ } [العنكبوت: 2].

وقيل: التقدير: لا يحسبنهم الذين كفروا سبقوا، فحذف الضمير لكونه مفهوماً.

وقيل: وقع الفعل على " إنهم لا يعجزون " على أنّ " لا " صلة، و " سبقوا " في محل الحال، يعني: سابقين أي: [مفلتين] هاربين.

وقرأ الباقون: " تحسبن " بالتاء، على الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم.

وقوله: " الذين كفروا سبقوا " مفعولا " حسب " ، وهو الوجه الظاهر النير الذي لا تعسف فيه ولا تمحل. وحيث جاء هذا الحرف في القرآن: تحسبن، وتحسبهم، وتحسب، ويحسبون، وما جاء منه على صيغة الاستقبال، قراءة ابن عامر وعاصم وحمزة بفتح السين، والباقون بكسرها.

قال شيخنا أبو البقاء عبدالله بن الحسين اللغوي رحمه الله: فَعِلَ مثل عَلِمَ، فمستقبله يفعَل، بفتح العين، إلا أربعة أحرف: حَسِبَ يَحْسِب، ويَئِس يَيْئِس، وبَئِس يَبْئِس، والفتح في كلها جائز.

ومعنى { سَبَقُوۤاْ }: فاتوا.

ثم استأنف فقال: { إِنَّهُمْ لاَ يُعْجِزُونَ } وفتح ابن عامر الهمزة على إضمار اللام وحذفها، أي: لأنهم لا يعجزون.

وقرأ ابن محيصن: " يُعْجِزُونِ " بكسر النون.

قوله تعالى: { وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَّا ٱسْتَطَعْتُمْ مِّن قُوَّةٍ } قال السدي وابن قتيبة: هو كل ما يتقوى به من سلاح وكُراع.

وفي صحيح مسلم من حديث عقبة بن الحارث بن عامر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر يقول: " وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة، ألا إن القوة الرمي " ثلاثاً " ".

واعلم أن هذا ليس على وجه حصر القوة في الرمي، إنما هو إعلام بما في الرمي من شدة النكاية في الحرب وحثٌ على تعاطيه، ولهذا قال عليه السلام: " ارموا واركبوا، وأن ترموا أحب إليّ من أن تركبوا ".

وقال صلى الله عليه وسلم: " من بلغ بسهم في سبيل الله فهو له درجة في الجنة، ومن رمى بسهم في سبيل الله فهو عدل محرر ".

قوله تعالى: { وَمِن رِّبَاطِ ٱلْخَيْلِ } أي: ما يُربط منها في سبيل الله، ويجوز أن يكون جمع ربيط؛ كفصيل [وفِصَال].

وقرئ " ومن رُبُط " بضم الراء والباء، وسكون الباء أيضاً، جمع رباط.

فإن قيل: الخيل من جملة القوة، فلم خُصَّتْ بالذِّكْر؟

قلت: للمعنى الذي ذكرته في الرمي، ألا ترى إلى قول الشاعر:

السابقالتالي
2