الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ يَتَوَفَّى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلْمَلاۤئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ } * { ذٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّٰمٍ لِّلْعَبِيدِ } * { كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَفَرُواْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ فَأَخَذَهُمُ ٱللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } * { ذٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } * { كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُواْ بآيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَآ آلَ فِرْعَونَ وَكُلٌّ كَانُواْ ظَالِمِينَ }

قوله تعالى: { وَلَوْ تَرَىٰ } أي: لو شاهدت؛ لأن " لو " تَرُدُّ الفعل المضارع إلى معنى الماضي، كما تَرَدُّ " إن " الماضي إلى معنى الاستقبال.

{ إِذْ يَتَوَفَّى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلْمَلاۤئِكَةُ } قرأ ابن عامر: " تتوفى " بتاءين، لتأنيث لفظ الملائكة، وقرأ الباقون بالياء والتاء؛ لأن التأنيث غير حقيقي، وللفصل بين الفعل والفاعل.

والمراد بالملائكة: مَلَكُ الموت وأعوانه، في قول مقاتل.

وملائكة العذاب، في قول أبي سليمان الدمشقي.

وحكى الماوردي: أنهم الملائكة الذين نزلوا لنصر المسلمين يوم بدر.

والمراد بالتوفي على القول الأول: قبض أرواحهم.

وعلى القول الثاني: الاستيفاء والقبض، كما تقول: توفيتُ حقي واسْتوفيتُه؛ إذا قبضته.

وعلى القول الثالث: قبض الأرواح أيضاً، لكنه إضافة الشيء إلى نفسه.

وقوله: { يَضْرِبُونَ } حال من " الملائكة ".

فإن قلنا: هم مَلَكُ الموت وأعوانه؛ فقد ورد في الأثر: أنهم يضربون الكافر عند الموت بسياط من نار.

وإن قلنا: ملائكة العذاب، فقد ورد أنهم يَضربون وجوهَهم حين يتلقونهم يوم القيامة، وأدبارَهم حين يسوقونهم إلى النار.

وإن قلنا: هم ملائكة النصر، فالمعنى: يضربون وجوه بعضهم يوم بدر وأدبار بعضهم.

وقيل: يضربون وجوههم إذا أقبلوا للقتال، وأدبارهم إذا انهزموا.

وقال ابن جريج: يضربون ما أقبل منهم وأدبر، يريد أجسادهم كلها.

قال الحسن: قال رجل: يا رسول الله إني رأيت ظهر أبي جهل مثل الشراك. قال: ذلك ضرب الملائكة.

{ وَذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ } عطف على " يضربون " ، على إرادة القول، أي: ويقولون ذوقوا عذاب.

وقال الحسن: هذا يوم القيامة، يقول لهم خَزَنَةُ جهنم: ذوقوا عذاب الحريق.

وقيل: كان مع الملائكة الذين نزلوا للنصر مَقَامِعُ من حديد، كلما ضربوا التهبتْ في الجراحات، فذلك قوله: { وَذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ }.

وجواب " لو " محذوف، تقديره: لو ترى يا محمد ذلك لرأيت منظراً فظيعاً هائلاً.

{ ذٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ } جائز أن يكون من تمام الحكاية عن كلام الملائكة لهم، وجائز أن يكون من كلام الله تعالى.

والمعنى: ذلك العذاب بما قدمت أيديكم، الآية سبق تفسيرها في أواخر آل عمران، والتي بعدها سبق تفسيرها في أوائل آل عمران.

قوله تعالى: { ذٰلِكَ } إشارة إلى الذي حلّ بالكفار من الانتقام والأخذ، { بِأَنَّ ٱللَّهَ } أي: بسبب أن الله { لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ } فيُحوِّلهم مما يحبون إلى ما يكرهون { حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ } فينتقلون من الحال الجميلة إلى الحال القبيحة، أو من الحال المرضية إلى الحال المسخوطة.

قال مقاتل: هم أهل مكة أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف، ثم بَعَثَ فيهم محمداً صلى الله عليه وسلم، فلم يعرفوا المنعم عليهم، فغيّر الله ما بهم [من النِّعَم].

السابقالتالي
2