قوله تعالى: { وَلَوْ تَرَىٰ } أي: لو شاهدت؛ لأن " لو " تَرُدُّ الفعل المضارع إلى معنى الماضي، كما تَرَدُّ " إن " الماضي إلى معنى الاستقبال. { إِذْ يَتَوَفَّى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلْمَلاۤئِكَةُ } قرأ ابن عامر: " تتوفى " بتاءين، لتأنيث لفظ الملائكة، وقرأ الباقون بالياء والتاء؛ لأن التأنيث غير حقيقي، وللفصل بين الفعل والفاعل. والمراد بالملائكة: مَلَكُ الموت وأعوانه، في قول مقاتل. وملائكة العذاب، في قول أبي سليمان الدمشقي. وحكى الماوردي: أنهم الملائكة الذين نزلوا لنصر المسلمين يوم بدر. والمراد بالتوفي على القول الأول: قبض أرواحهم. وعلى القول الثاني: الاستيفاء والقبض، كما تقول: توفيتُ حقي واسْتوفيتُه؛ إذا قبضته. وعلى القول الثالث: قبض الأرواح أيضاً، لكنه إضافة الشيء إلى نفسه. وقوله: { يَضْرِبُونَ } حال من " الملائكة ". فإن قلنا: هم مَلَكُ الموت وأعوانه؛ فقد ورد في الأثر: أنهم يضربون الكافر عند الموت بسياط من نار. وإن قلنا: ملائكة العذاب، فقد ورد أنهم يَضربون وجوهَهم حين يتلقونهم يوم القيامة، وأدبارَهم حين يسوقونهم إلى النار. وإن قلنا: هم ملائكة النصر، فالمعنى: يضربون وجوه بعضهم يوم بدر وأدبار بعضهم. وقيل: يضربون وجوههم إذا أقبلوا للقتال، وأدبارهم إذا انهزموا. وقال ابن جريج: يضربون ما أقبل منهم وأدبر، يريد أجسادهم كلها. قال الحسن: قال رجل: يا رسول الله إني رأيت ظهر أبي جهل مثل الشراك. قال: ذلك ضرب الملائكة. { وَذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ } عطف على " يضربون " ، على إرادة القول، أي: ويقولون ذوقوا عذاب. وقال الحسن: هذا يوم القيامة، يقول لهم خَزَنَةُ جهنم: ذوقوا عذاب الحريق. وقيل: كان مع الملائكة الذين نزلوا للنصر مَقَامِعُ من حديد، كلما ضربوا التهبتْ في الجراحات، فذلك قوله: { وَذُوقُواْ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ }. وجواب " لو " محذوف، تقديره: لو ترى يا محمد ذلك لرأيت منظراً فظيعاً هائلاً. { ذٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ } جائز أن يكون من تمام الحكاية عن كلام الملائكة لهم، وجائز أن يكون من كلام الله تعالى. والمعنى: ذلك العذاب بما قدمت أيديكم، الآية سبق تفسيرها في أواخر آل عمران، والتي بعدها سبق تفسيرها في أوائل آل عمران. قوله تعالى: { ذٰلِكَ } إشارة إلى الذي حلّ بالكفار من الانتقام والأخذ، { بِأَنَّ ٱللَّهَ } أي: بسبب أن الله { لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَىٰ قَوْمٍ } فيُحوِّلهم مما يحبون إلى ما يكرهون { حَتَّىٰ يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ } فينتقلون من الحال الجميلة إلى الحال القبيحة، أو من الحال المرضية إلى الحال المسخوطة. قال مقاتل: هم أهل مكة أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف، ثم بَعَثَ فيهم محمداً صلى الله عليه وسلم، فلم يعرفوا المنعم عليهم، فغيّر الله ما بهم [من النِّعَم].