الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَراً وَرِئَآءَ ٱلنَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ } * { وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ ٱلْيَوْمَ مِنَ ٱلنَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ فَلَمَّا تَرَآءَتِ ٱلْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيۤءٌ مِّنْكُمْ إِنَّيۤ أَرَىٰ مَا لاَ تَرَوْنَ إِنَّيۤ أَخَافُ ٱللَّهَ وَٱللَّهُ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } * { إِذْ يَقُولُ ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ غَرَّ هَـٰؤُلاۤءِ دِينُهُمْ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ }

قوله تعالى: { وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم } يعني: النفير، { بَطَراً وَرِئَآءَ ٱلنَّاسِ }.

قال الزجاج: البطرُ: الطغيان في النعمة وترك شكرها، والرياء: إظهار الجميل ليُرى مع إبطان القبيح.

قال قتادة: هؤلاء أهل مكة خرجوا ولهم بغي وفخر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اللهم إن قريشاً أقبلت بفخرها وخيلائها لتحادك ورسولك " فنهى الله المؤمنين أن يكونوا مثلهم، وأمرهم بإخلاص النية والحسبة في نصرة الدين.

وقد ذكرنا فيما مضى: أن أبا سفيان أرسل إليهم يُؤذنهم بسلامة العير، فقال أبو جهل: لا نرجع حتى نقدم بدراً فنشرب الخمور، وننحر الجزور، ونطعم الطعام، ونُقيم القِيان والمعازف، فتسمع بنا العرب فتهابنا، فانعكس عليهم الأمر، فنَحروا أنفسهم بدل الجزور، وشَربوا المنايا عوضاً عن الخمور، وناحت عليهم النوائح مكان القيان والمعازف.

قوله تعالى: { وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ } أي: واذكر إذ زين لهم الشيطان أعمالهم التي عملوها في معاداتك وإبطال ما جئت به، { وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ ٱلْيَوْمَ مِنَ ٱلنَّاسِ } وذلك أنهم لما أجمعوا المسير خافوا بني كنانة، فتبدّا لهم إبليس في صورة سراقة بن مالك -وكان من أشراف بني كنانة- فقال: لا غالب لكم اليوم من الناس، { وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ } أي: حافظ ومجير من أن تأتيكم كنانة بشيء تكرهونه، فخرجوا سراعاً، { فَلَمَّا تَرَآءَتِ ٱلْفِئَتَانِ } التقى الجمعان؛ المسلمون والمشركون { نَكَصَ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ } أي: رجع القَهْقَهرى وذلك أن إبليس رأى جبريل عليه السلام ومعه الملائكة، وكان إبليس آخذاً بيد الحارث بن هشام على صورة سراقة، فلما رأى الملائكة نكص على عقبيه، فقال له الحارث: أفراراً من غير قتال؟ فقال: { إِنِّي بَرِيۤءٌ مِّنْكُمْ إِنَّيۤ أَرَىٰ مَا لاَ تَرَوْنَ } ، فانهزم وانهزم المشركون، فقال الناس: هزمهم سراقة. فلما بلغ ذلك سراقة قال: والله ما شعرت بمسيركم حتى تلقّتني هزيمتكم.

وقيل: إن قول الشيطان كان بطريق الوسوسة، وأن نكوصه مجاز عن بطلان كيده.

والأول هو التفسير الصحيح.

{ إِنَّيۤ أَخَافُ ٱللَّهَ } قال قتادة: صدق عدو الله في قوله: " إني أرى ما لا ترون " ، [ذُكِرَ لنا] أنه رأى جبريل ومعه الملائكة، فعلم أنه لا يد له بالملائكة، وكذب عدو الله في قوله: " إني أخاف الله " والله ما به مخافة الله، ولكنه علم أنه لا قوة له بهم.

وقال عطاء: المعنى: إني أخاف الله أن يهلكني.

قال ابن الأنباري: لما رأى نزول الملائكة خاف أن تكون القيامة، فيكون انتهاء إنظاره، فيقع به العذاب.

{ وَٱللَّهُ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } من تمام الحكاية عن إبليس. وجائز أن يكون ابتداء كلام من الله تعالى.

أخرج مالك في الموطأ من حديث طلحة بن عبيدالله بن كريز أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

السابقالتالي
2