الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِذْ أَنتُمْ بِالْعُدْوَةِ ٱلدُّنْيَا وَهُم بِٱلْعُدْوَةِ ٱلْقُصْوَىٰ وَٱلرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ لاَخْتَلَفْتُمْ فِي ٱلْمِيعَادِ وَلَـٰكِن لِّيَقْضِيَ ٱللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ }

قوله تعالى: { إِذْ أَنتُمْ بِالْعُدْوَةِ ٱلدُّنْيَا وَهُم بِٱلْعُدْوَةِ ٱلْقُصْوَىٰ } قرأ ابن كثير وأبو عمرو بكسر العين في الموضعين، وقرأهما الباقون بالضم.

قال ابن السكيت: عُدْوةُ الوادي وعِدْوتُه: جانبُه وحافَّتُه، والجمع عِدًى وعُدًى. والدنيا تأنيث الأدنى، والقصوى تأنيث الأقصى، وهو الأبعد.

وما كان من النعوت على فعلى من بنات الواو، فإن العرب تحوله إلى الياء، نحو: الدنيا مِنْ دنوت، والعليا مِنْ علوت؛ لأنهم يستثقلون الواو مع ضم الأول، وليس في هذا اختلاف، إلا أن أهل الحجاز قالوا: القُصْوَى، فأظهروا الواو وهو نادر، وغيرهم يقول: القُصْيا.

وكان نزول المسلمين على شفير الوادي الأدنى من المدينة، والمشركون على شفيره الأقصى مما يلي مكة.

{ وَٱلرَّكْبُ } أبو سفيان وأصحابه { أَسْفَلَ مِنكُمْ } نصبه على الظرف، يعني: أنهم قد أخذوا مكاناً أسفل من مكانكم، فطلبوا ساحل البحر، { وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ } أنتم وأهل مكة للقتال والنزول بعدوتي الوادي على تلك الهيئة { لاَخْتَلَفْتُمْ فِي ٱلْمِيعَادِ } بالتقدم [والتأخر]، ولتثبطتم لقلّتكم وكثرتهم، ولكنه سبحانه مهّد للفريقين أسباب الانقياد وَجَمَعَهُم على غير ميعاد، { لِّيَقْضِيَ ٱللَّهُ أَمْراً كَانَ } في سابق علمه { مَفْعُولاً } وهو إعزاز دينه [وأوليائه] وإذلال أعدائه.

واللام في " ليقضي " تتعلق بمحذوف تقديره: ليقضي الله أمراً كان مفعولاً دبّر ذلك وهيأ أسبابه، يدل عليه قوله: { لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ } أي: ليهلك من هلك في ذلك اليوم بالقتل أو بالدوام على الكفر، { عَن بَيِّنَةٍ } أي: دلالة واضحة، فإنهم شاهدوا آيات؛ منها نزول الملائكة، حتى أن اللعين - فرعون هذه الأمة - أبا جهل قال لابن مسعود حين جاءه يُذَفِّف عليه: من أين كان يأتينا الضرب ولا نرى الشخص؟ قال: من قبل الملائكة، فقال: هم غلبونا لا أنتم.

{ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ } وقرأت لنافع والبزي والقزاز عن عبدالوارث، وأبي بكر عن عاصم، ونصير عن الكسائي وأبي جعفر وخلف في اختياره ويعقوب: " حَيِيَ " بياءين، الأُولى مكسورة والثانية مفتوحة بإظهار التضعيف.

{ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ } يسمعُ تَضَرُّعَكُم ودعاءَكم ، ويعلمُ كيف يُدَبِّرُ أمورَكم ويصلحُ أحوالكم.