الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ } * { لِيَمِيزَ ٱللَّهُ ٱلْخَبِيثَ مِنَ ٱلطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ ٱلْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىٰ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ }

قوله تعالى: { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } قال ابن عباس وجمهور المفسرين: نزلت في المُطْعمين يوم بدر، وكانوا اثني عشر رجلاً: عتبة وشيبة ابنا ربيعة بن عبد شمس، ومُنبِّه ونُبَيْه ابنا الحجاج، وأبو جهل والحارث ابنا هشام بن المغيرة بن عبدالله بن عمر بن مخزوم القرشيان المخزوميان، [والنضر] بن علقمة بن كلدة بن عبد مناف بن عبد الدار القرشي، [وزمعة] بن الأسود، وأبو البختري بن هشام، وأبيّ بن خلف بن وهب الجمحي القرشي، وحكيم بن حزام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي القرشي ابن أخي خديجة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، والعباس بن عبدالمطلب.

وقال مجاهد وسعيد بن جبير: نزلت في أبي سفيان بن حرب، وكان استأجر يوم أُحُد [ألفين] من الأحابيش لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم، سوى من استجاش من العرب.

قال ابن إسحاق، عن رجاله: لما رجع الموتورون يوم بدر كلّموا أبا سفيان وأرباب الأموال والتجارات التي كانت في العير، فقالوا: يا معشر قريش! إن محمداً قد وَتَرَكُم وقتل خياركم، فأعينونا بهذا المال الذي أفْلَتَ، لعلنا ندرك منه ثأراً، ففعلوا، فنزلت هذه الآية.

قوله تعالى: { لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } يعني: اتباع محمد صلى الله عليه وسلم، { فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً } ندامة وأسفاً حيث لم يظفروا بالسؤل في اضمحلال أمر الرسول صلى الله عليه وسلم.

ثم أخبر الله رسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين أن العاقبة لهم فقال: { ثُمَّ يُغْلَبُونَ }.

ولما كان في كفار قريش والموتورين منهم ممن قام يطلب الثأر من عَلِمَ الله أنه سيؤمن ويحسُن عمله؛ كالحارث بن هشام، وعكرمة بن أبي جهل وغيرهما، أخرجهم من الوعيد اللاحق بالمنافقين فقال: { وَٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ } أي: داموا وثبتوا على كفرهم، { إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ }.

{ لِيَمِيزَ ٱللَّهُ } وقرأ حمزة والكسائي: " لِيُمَيِّزَ الله " بالتشديد. تقول: مِزْتُ الشيء أَمِيزُهُ مَيْزاً؛ إذا عزلته وفرزته، وكذلك مَيَّزْتُهُ تَمْييزاً فانْمازَ وامْتازَ وتَمَيَّزَ واسْتَمازَ، كل ذلك بمعنى.

واختلفوا في متعلق اللام فقال قوم: [ " يحشرون " ]، أي: والذين كفروا إلى جهنم يحشرون ليميز الله الفريق الخبيث من الفريق الطيب.

وقال قوم: [ " فسينفقونها] ثم تكون عليهم حسرة " ، ليميز الله المال الخبيث الذي أنققه المشركون للصدّ عن سبيل الله من المال الطيب الذي أنفقه المسلمون؛ كأبي بكر وعثمان رضي الله عنهما في نصر النبي صلى الله عليه وسلم.

{ وَيَجْعَلَ ٱلْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىٰ بَعْضٍ } وهو معنى: { فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ } ، إن قلنا هو الفريق الخبيث، فجعله في جهنم لتعذيبه، وإن قلنا هو مال الكفار فجعله في جهنم لتعذيبهم به، كما قال:يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ } [التوبة: 35].

{ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ } لأنهم اشتروا بأموالهم عذاب الله لهم.