الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُواْ قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَآءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَـٰذَا إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } * { وَإِذْ قَالُواْ ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ أَوِ ٱئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } * { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ }

قوله تعالى: { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا } أي: إذا قرأت على قريش آيات القرآن { قَالُواْ قَدْ سَمِعْنَا }؛ ذكر الماوردي والشيخ أبو الفرج ابن الجوزي في معناها قولين:

أحدهما: سمعنا قولك ولا نطيعك.

والثاني: سمعنا قبل هذا مثله.

ويظهر عندي: أن مقصودهم بهذا القول: إظهار التبرم بسماع القرآن إيهاماً للطغام الأغمار أنه إفك مفترى وحديث مختلق، وتحقيراً لشأنه عندهم. وكذلك قالوا: { لَوْ نَشَآءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَـٰذَا } وهو كلام يستخفون به أحلام السفهاء بينهم، وإلا فما بال الفصحاء الخطباء من العرب العرباء مع فرط أنفتهم، وشدة حميتهم، وحرصهم على إطفاء نور المبعوث بتضليل آبائهم، وتسفيه أحلامهم وآرائهم، وسبِّ آلهتهم، يتحداهم باقتضاب سورة مثله، ويسجل عليهم بالعجز في قوله:قُل لَّئِنِ ٱجْتَمَعَتِ ٱلإِنْسُ وَٱلْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً } [الإسراء: 88]، ثم يضربون عن ذلك صفحاً، هذا مع قدرتهم على المعارضة والمناقضة، لا والله ما ذاك إلا القصور الناسوتي أو العرف اللاهوتي.

هذا الوليد بن المغيرة المخزومي مع براعته وشجاعته وإبائه بأبنائه وآبائه [لم] يجد بداً من الاستسلام لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم، حتى قال وهو من أشد العرب شكيمة في عداوة الرسول صلى الله عليه وسلم: لقد وضعت قوله على أقراء الشعر، فما رأيته يلتئم بها، والله إن لقوله حلاوة، وإن عليه طلاوة، وإنه لمثمر أعلاه، مغدق أسفله، وإنه يَعلو ولا يُعلى.
وشمائل شهد العدو بفضلها    والفضل ما شهدت به الأعداء
والمشهور في التفسير أن القائل: { لَوْ نَشَآءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَـٰذَا إِنْ هَـٰذَآ } النضر بن الحارث، المقتول صبراً بالصفراء يوم بدر، وكان كثير الاختلاف إلى فارس والحيرة، وكان يتبع أخبار رستم واسفنديار، وكان يسمع قراءة أهل الكتاب ويرى صلاتهم، واشترى كليلة ودِمنة، وكان يقعد مع المستهزئين ويقرأ عليهم من ذلك. فلما سمع اقتصاص الله أخبار القرون الماضية قال: لو شئت لقلت مثل هذا، فنزلت هذه الآية.

وهو القائل أيضاً: { إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ... } الآية في قول ابن عباس وأكثر المفسرين.

ولا منافاة بين هذا القول وبين ما أخرج في الصحيحين من حديث أنس بن مالك قال: قال أبو جهل: { ٱللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ ٱلْحَقَّ مِنْ عِندِكَ... الآية } فأنزل الله: { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ... } الآية، فلما أخرجوه نزلت: { وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ ٱللَّهُ... } الآية لجواز نزولها بسبب قولهما.

والإشارة بقولهم: { إِن كَانَ هَـٰذَا هُوَ } إلى القرآن، وهو كلام ينبئ باستحكام الجحود واستيلائه على قلوب قائليه.

{ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً } يعنون: كما أمطرت على أصحاب الفيل، ولذلك قالوا: { مِّنَ ٱلسَّمَآءِ } ، { أَوِ ٱئْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } أي: بنوع آخر من العذاب غير الحجارة.

السابقالتالي
2