الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ ٱللَّهُ وَٱللَّهُ خَيْرُ ٱلْمَاكِرِينَ }

قوله تعالى: { وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } قد روي عن ابن عباس: أن من هاهنا إلى رأس الآية السابعة مما نزل بمكة، وغيره لم يستثن شيئاً وجعلها كلها مدنية.

على معنى: اذكر يا محمد اليوم إذ يمكر بك كفار قريش وأنت بمكة خائفاً. والمراد من ذلك: تنبيهه صلى الله عليه وسلم على ما أتاح له بعد ذلك من النصر والاستيلاء على الذين مكروا به، حتى صار من أبقت سيوفه منهم في قبضته وأسره، وتحت حكمه وسلطانه.

الإشارة إلى قصتهم:

قال ابن عباس وغيره: لما بويع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة وأمر أصحابه بالهجرة إلى المدينة، خافت قريش من استفحال أمره وحدة شوكته، وقال بعضهم لبعض: والله لكأنكم به وقد كرّ عليكم بالرجال. واجتمعوا للمشورة في دار الندوة، فاعترضهم إبليس في صورة شيخ كبير فقالوا: من أنت؟ قال: شيخ من أهل نجد، بلغني ما اجتمعتم له، فأردت أن أحضركم ولن تعدموا مني رأياً ونصحاً، فقالوا: ادخل. فدخل معهم، فقالوا: انظروا في أمر هذا الرجل، فقال أبو البختري: رأيي أن تحبسوه في بيت وتشدّوا وثاقه وتسدّوا بابه غير كوة تلقون منها إليه طعامه وشرابه وتتربصون به ريب المنون. قال إبليس: ما هذا برأي، يوشك أن يثب أصحابه فيأخذوه من أيديكم. فقال هشام بن عمرو -من بني عامر بن لؤي-: أما أنا فأرى أن تحملوه من بين أظهركم، فلا يضرّكم ما صنع ولا أين وقع. فقال إبليس: بئس الرأي، تعمدون إلى رجل أفسد سفهاءكم فتخرجونه إلى غيركم فيفسدهم كما أفسدكم، ألم تروا حلاوة منطقه وطلاقة لسانه، فوالله لئن فعلتم ليجمعنّ عليكم ثم ليسيرنّ إليكم. قالوا: صدق والله الشيخ. فقال أبو جهل لعنه الله: والله لأشيرن عليكم برأي ما أرى غيره، إني أرى أن تأخذوا من كل بطن من قريش غلاماً وتعطوه سيفاً، ثم تضربوه ضربة رجل واحد، فيتفرق دمه في القبائل، فلا أظن هذا الحي من قريش -يعني بني هاشم- يقوى على حرب قريش كلها، فيقبلون العقْل ونستريح. فقال إبليس: صدق هذا الفتى، وهو أجودكم رأياً، فتفرقوا على هذا الرأي. وأتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك، وأمره أن لا يبيت في مضجعه، وأذن الله له بالخروج إلى المدينة، وأمر علياً بالمبيت في مضجعه، وخلفه بمكة ليؤدي عنه الودائع التي توضع عنده لصدقه وأمانته، وخرج صلى الله عليه وسلم مهاجراً هو وأبو بكر رضي الله عنه، وبات المشركون يحرسون علياً ظناً منهم أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أصبحوا ثاروا إليه ليقتلوه. فلما رأوا علياً قالوا له: أين صاحبك؟ قال: لا أدري، فاقتصوا أثره حين سمعوا الهاتف يقول:

السابقالتالي
2