الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يِٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوۤاْ إِن تَتَّقُواْ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ }

قوله تعالى: { إِن تَتَّقُواْ ٱللَّهَ } يعني: بترك معاصيه، { يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً } نوراً وهدى في قلوبكم تفرّقون به بين الحق والباطل.

قال ابن عباس ومجاهد: نجاة ومخرجاً من الضلال. وينظر إلى هذا المعنى قوله تعالى:وَٱلَّذِينَ جَاهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا } [العنكبوت: 69].

فمتى كان مقصود الإنسان طلب الهدى ومجانبة الهوى أتته الألطاف الخفية، وفاضت عليه الأسرار الإلهية، وضاءت له الأنوار الربانية، فجلت عن مرار قلبه الظلمة الصادّة عن إدراك الأشياء على حقائقها.

حدثنا شيخنا الإمام موفق الدين عبدالله بن أحمد قال: قرأت على الشيخ أبي عبدالله مظفر بن أبي نصر البواب وابنه أبي محمد عبدالله بن مظفر ببغداد قلت لهما: حدثكما الإمام الحافظ أبو الفضل محمد بن ناصر السلامي قال: كنت أسمع الفقهاء بالنظامية يقولون: إن القرآن معنى قائم بالذات والحروف، والأصوات عبارات ودلالات على الكلام القديم القائم بالذات، فحصل في قلبي شيء من ذلك، حتى صرت أقول بقولهم موافقة، وكنت إذا صليت أدعو الله عز وجل أن يوفقني لأحب المذاهب والاعتقادات إليه، وبقيت على ذلك مدة طويلة [أقول: اللهم وفقني لأحب المذاهب إليك وأقربها عندك]. فلما كان في أول ليلة من رجب سنة أربع وتسعين وأربعمائة، رأيت في المنام كأني قد جئت إلى مسجد الشيخ أبي منصور الخياط المقرئ في مسجد ابن جردة، والناس على باب المسجد مجتمعون وهم يقولون: النبي صلى الله عليه وسلم عند الشيخ أبي منصور، فدخلت المسجد وقصدت الزاوية التي كان يجلس فيها الشيخ أبو منصور، فرأيت الشيخ أبا منصور قد خرج من زاويته وجلس بين يدي شخص، فما رأيت شخصاً أحسن منه، على نعت النبي صلى الله عليه وسلم الذي وصف لنا، وعليه ثياب ما رأيت أشد بياضاً منها، وعلى رأسه عمامة بيضاء، والشيخ أبو منصور مقبل عليه بوجهه، فدخلت فسلمت [فرد عليّ السلام، ولم أتحقق من الرادّ عليّ لدهشتي برؤية النبي صلى الله عليه وسلم]، وجلست بين أيديهما، فالتفت إليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير أن أسأله عن شيء أو أستفتحه بكلام أصلاً وقال لي: عليك بمذهب هذا الشيخ، عليك بمذهب هذا الشيخ، عليك بمذهب هذا الشيخ -ثلاثاً-.

قال الحافظ أبو الفضل: وأنا أقسم بالله ثلاثاً وأشهد بالله لقد قال لي ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثاً، ويشير في كل مرة بيده اليمنى إلى الشيخ أبي منصور.

قال: فانتبهت وأعضائي ترعد، فناديت والدتي رابعة بنت الشيخ أبي حكيم [الخبري] وحكيت لها ما رأيت، فقالت: يا بني هذا منام وحي، فاعتمد عليه. فلما أصبحت بكرت إلى الصلاة خلف الشيخ أبي منصور، فلما صلينا الصبح قصصت عليه المنام، فدمعت عيناه وخشع قلبه [وقال لي: يا بني مذهب الشافعي حسن، فتكون على مذهب الشافعي في الفروع وعلى مذهب أحمد وأصحاب الحديث في الأصول]، فقلت: يا سيدي! أنا أُشهد الله وملائكته وأنبياءه وأشهدك على أني منذ اليوم لا أعتقد ولا أدين الله ولا أعتمد إلا على مذهب أحمد رضي الله [عنه] في الأصول والفروع، فقبّل الشيخ أبو منصور رأسي وقال: وفقك الله، فقبّلت يده.

السابقالتالي
2 3 4