الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ وَتَخُونُوۤاْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } * { وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّمَآ أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ }

قوله تعالى: { لاَ تَخُونُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ... } الآية ذهب ابن عباس والأكثرون إلى أنها نزلت في أبي لبابة بن عبد المنذر. وكان من قصته على ما حدثنيه شيخنا موفق الدين أبو محمد عبدالله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي -قدّس الله روحه- بإسناده، عن السائب بن أبي لبابة، عن أبيه قال: " لما أرسلت قريظة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه أن يرسلني إليهم حين اشتدّ عليهم الحصر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اذهب إلى حلفائكم، فإنهم أرسلوا إليك من بين الأوس. قال: فدخلتُ عليهم فَبَهَشُوا إليّ وقالوا: يا أبا لبابة، نحن مواليك دون الناس كلهم، ومحمد يأبى أن يفارق حصننا حتى ننزل على حكمه، فلو زال عنا لحقنا بأرض الشام أو خيبر ولم نُكَثّر عليه جمعاً أبداً، فما ترى في النزول على حكمه؟ قال: نعم فانزلوا، وأومأ إلى حلقه هو الذبح. قال: فندمت واسترجعت، وقلت: خنت الله ورسوله، فنزلت وإن لحيتي مبتلة بالدموع، والناس [ينتظرون] رجوعي، فأخذت من وراء الحصن طريقاً آخر حتى أتيت المسجد [فارتبطت]، وقال: لا أزال هكذا أو يتوب الله عليّ. قال: فمكث سبعاً في حرّ شديد لا يأكل ولا يشرب حتى لا يسمع الصوت من الجهد. فلما تاب الله عليه أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإطلاقه، فقال: لا والله حتى أفارق الدنيا أو يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الذي يطلقه بيده.

قال: قالت أم سلمة زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يحلّ رباطه ويرفع صوته يخبره بتوبته، وما يدري كثيراً مما يقول من الجهد والضعف، وكان الرباط حزَّ في ذراعيه - وكان من شَعْر- فكان يداويه بعد ذلك دهراً ".

وقال جابر بن عبدالله: نزلت في رجل من المنافقين كتب إلى أبي سفيان: أن محمداً يريدكم فخذوا حذركم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم سمع أنه في مكان، فأمر أصحابه بالخروج إليه.

وقال السدي: نزلت في قوم كانوا يسمعون الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيفشونه حتى يبلغ إلى المشركين.

وقال المغيرة بن شعبة: نزلت في قتل عثمان بن عفان.

والمعنى: لا تخونوا الله والرسول بقتله.

{ وَتَخُونُوۤاْ أَمَانَاتِكُمْ } داخلٌ في جملة النهي، فهو مجزوم لا منصوب.

وقيل: هو منصوب بإضمار " أَنْ " ، كقوله:وَتَكْتُمُواْ ٱلْحَقَّ } [البقرة: 42]، والمعنى: لا تخونوا الله فيما ائتمنكم عليه من دين الحق، { وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } أنها خيانة، أو تعلمون قبح ذلك. فيكون الإثم أعظم. والواو في " وأنتم " للحال.

{ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّمَآ أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ } أي: بلاء ومحنة، وكان أهل أبي لبابة وولده في بني قريظة، فلذلك تورّط في الخيانة التي كادت تورده المهالك، لولا أن تداركته رحمة الله تعالى، [فاستنقذته] بالتوبة والندم.

{ وَأَنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ } في الحال والمآل، فلا يصدنكم عنه حب المال والآل.