الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ ٱلْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ }

قوله تعالى: { ٱسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ } يريد: إذا دعاكم الرسول، فوحَّد الضمير؛ لأن دعاء الرسول دعاء مرسله، وإجابته إجابته. قال الله تعالى:مَّنْ يُطِعِ ٱلرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ ٱللَّهَ } [النساء: 80]، ومن ذلك قوله تعالى:وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ } [الأنفال: 20] بعد قوله:أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } [الأنفال: 20] والمعنى: إذا دعاكم لما فيه حياتكم. وفيه أقوال:

أحدها: أنه الإيمان، وهذا قول السدي ومجاهد في رواية عنه.

الثاني: أنه القرآن. قاله قتادة، وهو أعم الأقوال وأجمعها.

والثالث: أنه الجهاد، وهو قول الأكثرين.

وقد صح من حديث أبي هريرة: " أن النبي صلى الله عليه وسلم مَرَّ على أُبيّ بن كعب وهو قائم يصلي، فصاح به فقال: تعال يا أُبيّ، فعجّل أُبيّ في صلاته، ثم جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أُبيّ، ما منعك أن تجيبني إذ دعوتك؟! أليس الله يقول: { ٱسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم }. قال أُبيّ: لا جرم يا رسول الله، لا تدعوني إلا أجبتك وإن كنت مصلياً ".

ففي هذا الحديث دليلٌ على وجوب إجابته صلى الله عليه وسلم إلى ما يدعو إليه، وأن إجابته في الصلاة لا تبطلها، كما أنك تخاطبه بقولك: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله، ومثله تبطل الصلاة مع غيره.

فإن قيل: لماذا سمّى ما يدعوهم إليه حياة؟

قلتُ: إن كان [ما بدعوهم إليه الإيمان والقرآن] فهو حياة، باعتبار ما يستثمره المؤمن والقارئ لكتاب الله العامل به من سعادة الدنيا والآخرة والثناء الجميل الباقي على مرّ الأحقاب، كما قال علي عليه السلام: " العلماء باقون ما بقي الدهر ".

وقال المتنبي:
ذِكْرُ الفَتَى عُمْرُهُ الثَّانِي وَحَاجَتُهُ   مَا قَاتَهُ وفُضُولِ العَيْشِ أَشْغَالُ
ولأجل ما فات من ذلك؛ سُمّي الكافر ميتاً، وسُمّي الجاهل ميتاً. قال الله تعالى في حق الكفار: { فَإِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ ٱلْمَوْتَىٰ } [الروم: 52].

وقال بعضهم:
لا تعجبنَّ الجَهُولَ حلتهُ   فَذَاكَ مَيْتٌ وَثَوْبُهُ كَفَنُ
وإن كان الذي يدعوهم إليه الجهاد فهو حياة؛ لأن الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون، وهو حياة لهم لما يستلزم من حياة أمرهم ونفوسهم؛ لأنهم لو تخاذلوا عن الجهاد وتقاعدوا عنه تسلط العدو على قتلهم وأسرهم وإماتة أمرهم وكسرهم.

قال علي عليه السلام: إن الجهاد بابٌ من أبوابٌ الدِّين، من تركه رغبة عنه ألبسه الله سيما الذل وديَّثَه بالصَّغار.

قوله تعالى: { وَاعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ ٱلْمَرْءِ وَقَلْبِهِ } فهو الذي حال بين قلوب الكفار والأمن، وبين قلوبكم أيها المؤمنون وبين الخوف، حتى دلفتم مع ضعفكم وقلة عَددكم وعُددكم إلى صناديد قريش واجترأتم عليهم تقتلون وتأسرون.

قال ابن عباس وأكثر المفسرين: المعنى: يحول بين المؤمن والكفر، وبين الكافر والإيمان.

وقيل: إن ذلك استعارة من قربه سبحانه وتعالى من عباده بعلمه، كما قال تعالى:وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ ٱلْوَرِيدِ } [ق: 16]. وقال تعالى:وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ } [الحديد: 4].

وقيل: هو تقليب قلوب العباد ما بين خوف وأمن، وحل وعزم، وذكر ونسيان، وكفر وإيمان، وغير ذلك من الأحوال المتناقضة.

ثم حرّضهم على الإجابة معلماً لهم أنهم يموتون ثم ينشرون فقال: { وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ }.