الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ رَمَىٰ وَلِيُبْلِيَ ٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاۤءً حَسَناً إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } * { ذٰلِكُمْ وَأَنَّ ٱللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ ٱلْكَافِرِينَ }

قوله تعالى: { فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ } اعلم أن هذا ليس على وجه النفي؛ لحُسن بلاء الصحابة رضي الله عنهم يوم بدر، فإن الله تعالى جعلهم بذلك المشهد الذي شهدوه والبلاء الذي أبلوه أفضل أتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنه على وجه التنبيه لهم بموضع النعمة عليهم بنصرهم مع ضعفهم على أضعافهم؛ لينهضوا بواجب الشكر، وليتحفظوا من خواطر العجب.

{ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ قَتَلَهُمْ } بإنزال الملائكة لقتالهم وإلقاء الرعب في قلوبهم، والربط على قلوبكم، وما فعل من التقليل والتكثير منكم ومنهم في أعينكم وأعينهم.

{ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ } كان النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي عليه السلام: " ناولني كفاً من حصباء الوادي، فناوله، فرمى به في وجوه القوم وقال: شاهت الوجوه، فلم يبق مشرك إلا شغل بعينيه فانهزموا " ، وردفهم المسلمون يقتلونهم ويأسرونهم، فذلك قوله: { وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ } ، أي: ما بلغ رميك كفاً من حصباء الوادي أن يملأ عيون ألف رجل، فإن ذلك غير داخل في قوة البشر. هذا قول أكثر المفسرين.

وروى سعيد بن المسيب عن أبيه: أن المراد بذلك طعنة النبي صلى الله عليه وسلم لأُبيّ بن خلف حين أقبل عليه يريد قتله، فلم يخرج منها دم، فأقبل عليه أصحابه وهو يخور خوار الثور، فقالوا: إنما هو خدش، فقال: والذي نفسي بيده، لو كان ما بي بأهل الحجاز لماتوا أجمعون، فمات قبل أن يقدم مكة، وذلك يوم أُحد.

وذهب جماعة من المفسرين: إلى أن ذلك في قتل النبي صلى الله عليه وسلم لابن أبي الحقيق، فرووا أنه صلى الله عليه وسلم رمى يوم خيبر بسهم، فقتل ابن أبي الحقيق وهو على فراشه في حصنه.

قوله تعالى: { وَلِيُبْلِيَ ٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاۤءً حَسَناً } أي: لينعم عليهم نعمة عظيمة بالأجر والغنيمة والاستيلاء على أعدائهم.

فإن قيل: على أي شيء عطف: " وليبلي "؟

قلت: على محذوف تقديره: فَعَلَ ذلك، ليكرم المؤمنين وليبليهم، أو ظهر قدرته للكافرين وليبلي المؤمنين منه بلاء حسناً.

{ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } سميع لأقوال الطائفتين، عليم بأعمال الفئتين.

قوله تعالى: { ذٰلِكُمْ } إشارة إلى البلاء الحسن، ومحله الرفع، { وَأَنَّ ٱللَّهَ مُوهِنُ } معطوف على " ذلكم ". والمعنى: مرادنا البلاء للمؤمنين وتوهين كيد الكافرين.

قرأ الحرميان وأبو عمرو: " مُوَهِّن " بتشديد الهاء، وخفّفها الباقون، واتفقوا على التنوين ونصب { كَيْدِ } ، إلا حفصاً فإنه قرأ بغير تنوين، والجرّ في " كيد " على الإضافة.