الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً فَلاَ تُوَلُّوهُمُ ٱلأَدْبَارَ } * { وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَىٰ فِئَةٍ فَقَدْ بَآءَ بِغَضَبٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ }

قوله تعالى: { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً } أي: متزاحفين، فهو نصب على الحال، إما من " الذين كفروا " أو من الفئتين، أي: لقيتموهم متزاحفين أنتم وهم.

والزحف: الجيش الذي يبين لكثرته كأنه يدب ويزحف قليلاً قليلاً، سمي بالمصدر، والجمع: زحوف.

{ فَلاَ تُوَلُّوهُمُ ٱلأَدْبَارَ } أي: لا تجعلوا ظهوركم مما يليهم، فهو نهي للمؤمنين عن الهزيمة إذا لقوا الكفار، فإنها من الكبائر، على ما ذكرناه في قوله تعالى:إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ } [الآية: 31] في النساء.

{ وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ } يعني: منهزماً، بدليل قوله: { إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ } ، و " متحرفاً " نصب على الحال من الضمير المرفوع في [ " يولّهم " ]، ومثله: { أَوْ مُتَحَيِّزاً } ويجوز أن يكون نصبهما على الاستثناء، على معنى: إلا رجلاً متحرفاً.

والمعنى: إلا متعطفاً لانتهاز فرصة يبادرها فَيَفِرّ ثم يكرّ، وهو ضرب من خدع الحرب لا تعده الأبطال عاراً ولا شناراً، وكذلك المتحيز وهو الذي ينضم إلى فئة، أي جماعة يعتصم بهم لا يكون توليه عن القتال عند العجز إثماً ولا عاراً أيضاً، بل ربما عَدُّوا الثابت في مركز القتال عند تيقن الهلكة وعدم النكاية في العدو سفهاً وخبلاً في العقل. والمعيّر حسان بن ثابت رضي الله عنه الحارث بن هشام رضي الله عنه حين فرّ يوم بدر وهو على دين قومه هزيمته وتركه نصر قومه فقال:
أنت كنت كاذبة الذي حدثتني   فنجوت منجا الحارث بن هشام
ترك الأحبة لم يقاتل دونهم    ونجا برأس طمرة ولجام
أجابه الحارث معتذراً فقال:
القوم أعلم ما تركت قتالهم    حتى رموا فرسي بأشقر مزبد
ووجدت ريح الموت من تلقائهم    في مأزق والخيل لم تتبدد
وعلمت أني إن أقاتل واحداً   أُقتل ولا يضرر عدوي مشهدي
فصدفت عنهم والأحبة فيهم   طمعاً لهم بعقاب يوم مرصد
وكان الأصمعي يقول: ما قيل في الاعتذار من الفرار أحسن من هذه الأبيات.

وقال خلف الأحمر: أبيات عمير بن وهب أحسن منها:
لعمرك ما وليت ظهري محمداً    وأصحابه جبناً ولا خيفة القتل
ولكنني قلبت أمري فلم أجد   لسيفي غناء إن ضربت ولا نبلي
وقفتُ فلما خفت ضيعة موقفي   رجعت لعودٍ كالهزبر أبي الشبل
أخبرنا الشيخان شيخ الإسلام موفق الدين أبو محمد عبدالله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي قراءة عليه وأنا أسمع بجامع دمشق وأبو بكر محمد بن سعيد بن الموفق الخازن النيسابوري بقراءتي عليه ببغداد قالا: أخبرنا أبو زرعة طاهر بن محمد المقدسي، أخبرنا أبو الحسن مكي بن منصور بن علان [الكرجي]، أخبرنا القاضي أبو بكر [أحمد] بن الحسن الحيري، أخبرنا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم، أخبرنا الربيع بن سليمان المرادي، حدثنا محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله، أخبرنا سفيان بن عيينة، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبدالرحمن بن أبي ليلى، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:

السابقالتالي
2