الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِذْ يُغَشِّيكُمُ ٱلنُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن ٱلسَّمَآءِ مَآءً لِّيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ ٱلشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ ٱلأَقْدَامَ } * { إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى ٱلْمَلاۤئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلرُّعْبَ فَٱضْرِبُواْ فَوْقَ ٱلأَعْنَاقِ وَٱضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ } * { ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ شَآقُّواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَاقِقِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } * { ذٰلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ ٱلنَّارِ }

قوله تعالى: { إِذْ يُغَشِّيكُمُ ٱلنُّعَاسَ } بدل ثان منوَإِذْ يَعِدُكُمُ ٱللَّهُ } [الأنفال: 7]، أو منصوب بـ " النصر " ، أو بإضمار " اذكروا " ، أو على معنى: ما جعله الله إلا بشرى في ذلك الوقت.

قرأ أهل الكوفة وابن عامر: " يُغَشِّيكم " بضم الياء وفتح الغين وكسر الشين وتشديدها وبياء بعدها، و " النعاسَ ": بالنصب. ومثلهم قرأ نافع، إلا أنه خفف الشين.

وقرأ ابن كثير وأبو عمرو: " يَغْشَاكم " بفتح الياء وسكون الغين وتخفيف الشين وألف بعدها بدل الياء، " النعاسُ " بالرفع.

{ أَمَنَةً } مفعول لأجله، وهو مصدر أَمِنَ يَأْمَنُ أَمْناً، و " أَمَنَة " بفتح الميم وسكونها.

{ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن ٱلسَّمَآءِ مَآءً لِّيُطَهِّرَكُمْ بِهِ } وذاك أن المسلمين نزلوا على كثيب أخضر تسوخ فيه الأقدام وحوافر الدواب على غير ماء، فاحتلم أكثرهم وصلوا مُحْدِثين، وأصابهم العطش، فوسوس لهم الشيطان وقال: تزعمون أنكم أولياء الله [وفيكم] رسوله وقد غلبكم المشركون على الماء، وما ينتظرون بكم إلى أن يجهدكم العطش، فإذا قطع العطش أعناقكم وثبوا عليكم قتلاً وأسراً، [فحزن] المسلمون حزناً شديداً، فأرسل الله عز وجل مطراً سال منه الوادي، فشربوا وتطهروا، واتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابُه الحياض على عُدْوة الوادي، وذهب عنهم وسواس الشيطان، فذلك قوله: { لِّيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ ٱلشَّيْطَانِ } يعني: كيده وما خامر نفوسهم من القلق حين خوفهم بالعطش [والقتل].

{ وَلِيَرْبِطَ عَلَىٰ قُلُوبِكُمْ } الربط: الشدّ، وهو هاهنا مجاز عن استحكام الصبر وقوة اليقين.

{ وَيُثَبِّتَ بِهِ } أي: بالماء النازل من السماء { الأقدام } كيلا تسوخ في الرمل، فإن الأرض تلبدت به.

وقيل: الضمير في قوله: " به " يعود إلى الربط، التقدير: ويثبت أقدامكم بالربط على قلوبكم.

قوله تعالى: { إِذْ يُوحِي رَبُّكَ } بدل ثالث منوَإِذْ يَعِدُكُمُ ٱللَّهُ } [الأنفال: 7]، أو هو منصوب بـ " يثبت " ، أو بـ " يربط " أو بإضمار " اذكروا ".

والمعنى: إذ يوحي ربك إلى الملائكة الذين أمدّ الله بهم المؤمنين وأيدهم بهم.

قال ابن عباس: ألهمهم ذلك.

" أني " مفعول " يوحي " ، والمعنى: أني معكم بالنصر والتثبيت.

{ فَثَبِّتُواْ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } قال الحسن: بالقتال معهم.

وقال مقاتل: بشروهم بالنصر، فكان المَلَك يمشي أمام الصف في صورة الرجل ويقول: أبشروا، فإن الله ناصرُكم.

وقال الزجاج: جائز أن يكونوا يثبتونهم بأشياء يلقُونها في قلوبهم تقْوَى بها، وجائز أن يكونوا يروْنهم مدَداً، فإذا عاينوا نصر الملائكة ثبتوا.

وقوله: { سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلرُّعْبَ } بيان لمعنى قوله: { أَنِّي مَعَكُمْ }.

قال ابن السائب: كنا إذا سألنا يزيد بن عامر السوائي عن الرعب الذي ألقاه الله في قلوبهم كيف كان، [كان] يأخذُ الحصا فيرمي به الطشت فيطنّ، فيقول: كنا نجد في أجوافنا مثل هذا.

السابقالتالي
2 3