الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ فَإِذَا جَآءَتِ ٱلطَّآمَّةُ ٱلْكُبْرَىٰ } * { يَوْمَ يَتَذَكَّرُ ٱلإِنسَانُ مَا سَعَىٰ } * { وَبُرِّزَتِ ٱلْجَحِيمُ لِمَن يَرَىٰ } * { فَأَمَّا مَن طَغَىٰ } * { وَآثَرَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا } * { فَإِنَّ ٱلْجَحِيمَ هِيَ ٱلْمَأْوَىٰ } * { وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى ٱلنَّفْسَ عَنِ ٱلْهَوَىٰ } * { فَإِنَّ ٱلْجَنَّةَ هِيَ ٱلْمَأْوَىٰ } * { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلسَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَٰهَا } * { فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَٰهَا } * { إِلَىٰ رَبِّكَ مُنتَهَٰهَآ } * { إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَٰهَا } * { كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوۤاْ إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَٰهَا }

قوله تعالى: { فإذا جاءت الطامة الكبرى } يريد: القيامة.

وقيل: الساعة التي يتصدَّعون فيها، فريق إلى الجنة وفريق إلى السعير.

وقيل: النفخة الثانية.

وسميت طامّة؛ لأنها تطم وتغمُر الدواهي.

{ يوم يتذكر الإنسان ما سعى } ما عمل من خير وشر.

وقيل: إذا رأى أعماله مدوّنة في كتابه تذكَّرها، وكان قد نسيها، كقوله:أَحْصَاهُ ٱللَّهُ وَنَسُوهُ } [المجادلة: 6].

{ وبرزت الجحيم لمن يرى } قال مقاتل: يُكشف عنها الغطاء فينظر إليها الخلق.

وقرأ أبو مجلز وابن السميفع: " لمن ترى " بالتاء، على الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم.

وقيل: لمن ترى الجحيم، كما قال: { إذا رأتهم من مكان بعيد }.

وقرأ ابن مسعود وابن عباس: " لمن رأى " بهمزة بين الراء والألف.

وجواب قوله: { فإذا جاءت الطامة الكبرى }؛ قوله: { فأما من طغى }.

أي: فإذا جاءت الطامة فإن الأمر كذلك.

قال الزجاج: ومعنى: { هي المأوى }: هي المأوى له.

قال: وقال قوم: الألف واللام بدلٌ من الهاء، المعنى: هي مأواه؛ لأن الألف واللام بدلٌ من الهاء، وهذا كما تقول للرجل: غُضَّ الطرف، تُريد: طَرْفَك.

قال الزمخشري: ليس [الألف] واللام بدلاً من الإضافة، ولكن لما علم أن الطاغي هو صاحب المأوى، وأنه لا يغضُّ الرجل طرف غيره: تُركت الإضافة.

قال: ودخول حرف التعريف في المأوى والطرف للتعريف؛ لأنهما معروفان، و " هي " فصل أو مبتدأ.

قال مقاتل: { ونهى النفس عن الهوى } هو الرجل يهمُّ بالمعصية، فيذكر [مقامه للحساب] فيتركها.

قوله تعالى: { فيم أنت من ذكراها } أي: في أيّ شيء أنت من أن تذكر وقتها لهم وتُعلمهم به. يعني: ما أنت وذلك؟ أي: لست تعلمه.

وقال ابن عباس: فيمَ يسألك المشركون عنها ولستَ ممن يعلمها.

وقال عروة بن الزبير: فيمَ تسأل أنت يا محمد عنها، وليس لك السؤال عنها.

ثم [أخبر] أنه سبحانه هو المستأثر بعلمها فقال: { إلى ربك منتهاها } أي: منتهى علمها.

{ إنما أنت منذر من يخشاها } أي: إنما بُعثت لتنذر من أهوالها.

وإنما خَصَّ الخَاشِينَ بالذكر مع كونه منذراً للثقلين من لدنه إلى أن تقوم الساعة؛ لموضع انتفاعهم بالإنذار.

وقرأتُ على الشيخ أبي البقاء لأبي جعفر ولأبي عمرو من رواية الحلبي عن عبد الوارث: " منذرٌ " بالتنوين.

قال الفراء: التنوين وتركه صواب؛ كقوله:بَالِغُ أَمْرِهِ } [الطلاق: 3] ومُوهِنُ كَيْدِ ٱلْكَافِرِينَ } [الأنفال: 18].

وقال الزمخشري: التنوين هو الأصل، والإضافة تخفيف، وكلاهما يصلح للحال والاستقبال، فإذا أريد الماضي فليس إلا الإضافة؛ كقولك: هو منذر زيدٍ أمس.

{ كأنهم يوم يرونها } يعاينون أهوالها ويعانون شدائدها { لم يلبثوا } في الدنيا. وقيل: في القبور { إلا عشية } وهي ما بعد العصر، { أو ضحاها } وهو ما كان إلى ارتفاع الشمس.

والمعنى: كأنهم لم يلبثوا إلا هذا القدر من الزمان.

وصحّ إضافة الضحى إلى العشية في قوله: { أو ضحاها }؛ لاجتماعهما في يوم واحد.

قال بعضهم: وفائدة الإضافة: الدلالة على أن مدة لبثهم لم تبلغ يوماً كاملاً، ولكن ساعة من يوم عشية أو ضحاها، فلما ترك اليوم أضافه إلى عشية، فهو كقوله:كَأَن لَّمْ يَلْبَثُوۤاْ إِلاَّ سَاعَةً مِّنَ ٱلنَّهَارِ } [يونس: 45].