الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ ءَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ ٱلسَّمَآءُ بَنَاهَا } * { رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا } * { وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا } * { وَٱلأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا } * { أَخْرَجَ مِنْهَا مَآءَهَا وَمَرْعَاهَا } * { وَٱلْجِبَالَ أَرْسَاهَا } * { مَتَاعاً لَّكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ }

{ ءَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ ٱلسَّمَآءُ } أي: أأنتم فيما عندكم [أصعب] خلقاً وأعجب إيجاداً وإنشاء بعد الموت أم السماء؟، وهذا كقوله:لَخَلْقُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ أَكْـبَرُ مِنْ خَلْقِ ٱلنَّاسِ } [غافر: 57].

قال الزجاج: قال بعض النحويين: " بناها " من صلة " السماء ". المعنى: التي بناها.

وقال بعضهم: السماء ليس مما يوصل، ولكن المعنى: أأنتم أشد خلقاً أم السماء أشد خلقاً.

ثم بيّن كيف خَلَقَها فقال: { بَنَاهَا }.

ثم بيّن البناء فقال: { رَفَعَ سَمْكَهَا }.

قال الزمخشري: جعل مقدار ذهابها في سَمت العلو مديداً رفيعاً مسيرة خمسمائة عام، { فَسَوَّاهَا } فعدّلها مستوية ملساء، ليس فيها تفاوُتٌ ولا فطورٌ، أو فتمّمها بما علم أنها تَتِمُّ به وأصلحها، من قولك: سوّى فلانٌ أمر فلان.

قوله تعالى: { وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا } أي: أظْلَمَه، والغَطَشُ والغَبَشُ: الظُّلْمَة، ورجل أغْطَش: أعمى.

{ وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا } أبرز ضوءَ شمسِها، بدليل قوله:وَٱلشَّمْسِ وَضُحَاهَا } [الشمس: 1] أي: وضوؤها، وأضيف الليل والشمس إلى السماء؛ لأنهما ينزلان منها وينشآن عنها.

{ وَٱلأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ } أي: بعد خلق السماء { دَحَاهَا }.

قال ابن عباس وغيره من المفسرين واللغويين: " دحاها " بمعنى: بَسَطَها. والدَّحْوُ: البَسْط.

قال عبد الله بن عمر وعكرمة وعطاء وجمهور المفسرين: خلق الأرض قبل السماء، ثم خلق السماء، ثم دحى الأرض بعد خلق السماء.

وحمل القائلون بتكامل خلق الأرض قبل السماء " بعد " على معنى: قبل، كقوله:وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي ٱلزَّبُورِ مِن بَعْدِ ٱلذِّكْرِ } [الأنبياء: 105]، ومنهم من قال: " بعد " بمعنى: مع، قالوا: ومنه قوله:عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ } [القلم: 13]، أي: مع ذلك. ويؤيده قراءة مجاهد: " عند ذلك دحاها ".

وقد ذكرنا في البقرة اختلاف العلماء في السابقة بالخلق، وبيّنّا الصواب من ذلك.

قوله تعالى: { أَخْرَجَ مِنْهَا مَآءَهَا } قال ابن عباس: فجَّر الأنهارَ والبحارَ والعيون.

{ وَمَرْعَاهَا } ما يأكله الناس والأنعام، وهو قوله: { مَتَاعاً لَّكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ }.

واستعير الرعي للإنسان كما استعير الرتع في قوله:يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ } [يوسف: 12].

قال الزمخشري: " مرعاها ": رعيها، وهو في الأصل موضع الرعي. ونصَبَ الأرض والجبال بإضمار " دحا " و " أرسى " ، وهو الإضمار على شريطة التفسير. وقرأهما الحسن مرفوعين على الابتداء.

فإن قلت: هلاَّ أدخل حرف العطف على " أخرج "؟

قلتُ: فيه وجهان:

أحدهما: أن يكون [معنى] " دحاها " بسطها ومهّدها للسكنى، ثم فسّر التمهيد بما لا بد منه في تَأَتِّي سكناها، من تسوية أمر المأكل والمشرب؛ وإمكان القرار عليها، والسكون بإخراج الماء والمرعى، وإرساء الجبال وإثباتها أوتاداً لها حتى تستقر ويستقر عليها.

والثاني: أن يكون " أخرج " حالاً بإضمار " قد " كقوله:أَوْ جَآءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ } [النساء: 90].