الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَىٰ } * { إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِٱلْوَادِ ٱلْمُقَدَّسِ طُوًى } * { ٱذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ } * { فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَىٰ أَن تَزَكَّىٰ } * { وَأَهْدِيَكَ إِلَىٰ رَبِّكَ فَتَخْشَىٰ } * { فَأَرَاهُ ٱلآيَةَ ٱلْكُبْرَىٰ } * { فَكَذَّبَ وَعَصَىٰ } * { ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَىٰ } * { فَحَشَرَ فَنَادَىٰ } * { فَقَالَ أَنَاْ رَبُّكُمُ ٱلأَعْلَىٰ } * { فَأَخَذَهُ ٱللَّهُ نَكَالَ ٱلآخِرَةِ وَٱلأُوْلَىٰ } * { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَىٰ }

قوله تعالى: { هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَىٰ } أي: قد جاءك خبره.

{ إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِٱلْوَادِ ٱلْمُقَدَّسِ طُوًى } قرأ ابن عامر وأهل الكوفة: " طُوىً " بالتنوين. وقرأ الباقون بغير تنوين.

وقد ذكرتُ وجه القراءتين مع ما لم أذكره هاهنا في طه.

قرأ الحرميان: " تَزَّكَّى " بتشديد الزاي. وخففها الباقون، أصلها: تتزكى.

فمن شدّد أدغم التاء في الزاي، ومن خفف حذف التاء الثانية طلباً للخفة، [وهو] مثل: " تظاهرون " و " تساءلون ".

والمعنى: هل لك أن تتطهر من الشرك. والعرب تقول: هل لك إلى كذا.

{ وَأَهْدِيَكَ إِلَىٰ رَبِّكَ } أرشدك إلى معرفته، { فَتَخْشَىٰ } لأن الخشية لا تكون إلا بالمعرفة. قال الله تعالى:إِنَّمَا يَخْشَى ٱللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ ٱلْعُلَمَاءُ } [فاطر: 28].

قوله تعالى: { فَأَرَاهُ ٱلآيَةَ ٱلْكُبْرَىٰ } وهي قلب العصا حية، وهي أصل آياته، وأكبر معجزاته.

وقال جمهور المفسرين: هي العصا واليد، وجعلهما " آية "؛ لانتظامهما في سلك واحد، وتساوُقهما معاً.

{ فَكَذَّبَ } بموسى وآياته، { وَعَصَىٰ } الله بعد صحة علمه أن الطاعة قد وجبت عليه.

وقيل: عصى رسوله.

{ ثُمَّ أَدْبَرَ } عن الإيمان { يَسْعَىٰ } يعمل بالفساد.

وقيل: أدبر حين رأى انقلاب العصا حية.

" يسعى ": يُسرع في مشيه خوفاً منها.

{ فَحَشَرَ } أي: فجمع قومه وجنوده.

وقيل: جمع السحرة، بدليل قوله:فَأَرْسَلَ فِرْعَونُ فِي ٱلْمَدَآئِنِ حَاشِرِينَ } [الشعراء: 53].

{ فَنَادَىٰ } في المقام الذي اجتمعوا فيه. يُروى أنه قام فيهم خطيباً.

ويجوز أن يكون المعنى: أمر منادياً فنادى بهذه الكلمة الشنيعة.

{ فَقَالَ أَنَاْ رَبُّكُمُ ٱلأَعْلَىٰ } أي: لا رَبَّ فوقي.

وقيل: أراد: أن الأصنام أربابٌ وأنه فوقها.

أخبرنا أبو الحسن المؤيد بن محمد بن علي المقرئ الطوسي في كتابه قال: أخبرنا عبدالجبار بن أحمد بن محمد الخواري، أخبرنا علي بن أحمد النيسابوري، أخبرنا المؤمل بن محمد، أخبرنا محمد بن عبدالله الحافظ، حدثنا موسى بن إسماعيل القاضي، حدثنا محمد بن أحمد [بن البراء]، حدثنا عبدالمنعم بن إدريس، حدثنا عبدالصمد بن معقل، عن أبيه، عن وهب بن منبه، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا رب أمهلت فرعون أربعمائة سنة وهو يقول: أنا ربكم الأعلى، [ويكذب] آياتك، ويجحد رسلك، فأوحي إليه: أنه كان حَسَنَ الخُلْق، سَهْلَ الحِجَاب، فأحببتُ أن أُكافئه ".

قوله تعالى: { فَأَخَذَهُ ٱللَّهُ نَكَالَ ٱلآخِرَةِ وَٱلأُوْلَىٰ } قال الزجاج: النَّكَال: منصوب مصدر مؤكد؛ لأن معنى: " أخذه الله ": نَكَّلَ به، " نكال الآخرة والأولى " أي: أغرقه في الدنيا ويعذبه في الآخرة.

قال: وجاء في التفسير: أن نكال الآخرة والأولى؛ لقوله:مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرِي } [القصص: 38]، وقوله: { أَنَاْ رَبُّكُمُ ٱلأَعْلَىٰ } ، فنكّل الله به نكال هاتين الكلمتين.

قلتُ: وهذا المعنى الثاني الذي حكاه الزجاج هو قول جمهور المفسرين.

قال ابن عباس: كان بين الكلمتين أربعون سنة.

قال السدي: بقي بعد الآخرة ثلاثين سنة.

والمعنى الأول؛ قول الحسن وقتادة.

{ إِنَّ فِي ذَلِكَ } الذي فَعَلَ بفرعون حين كذّب وعصى { لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَىٰ }.

ثم خاطب منكري البعث فقال: { ءَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ ٱلسَّمَآءُ بَنَاهَا }.