قوله تعالى: { هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَىٰ } أي: قد جاءك خبره. { إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِٱلْوَادِ ٱلْمُقَدَّسِ طُوًى } قرأ ابن عامر وأهل الكوفة: " طُوىً " بالتنوين. وقرأ الباقون بغير تنوين. وقد ذكرتُ وجه القراءتين مع ما لم أذكره هاهنا في طه. قرأ الحرميان: " تَزَّكَّى " بتشديد الزاي. وخففها الباقون، أصلها: تتزكى. فمن شدّد أدغم التاء في الزاي، ومن خفف حذف التاء الثانية طلباً للخفة، [وهو] مثل: " تظاهرون " و " تساءلون ". والمعنى: هل لك أن تتطهر من الشرك. والعرب تقول: هل لك إلى كذا. { وَأَهْدِيَكَ إِلَىٰ رَبِّكَ } أرشدك إلى معرفته، { فَتَخْشَىٰ } لأن الخشية لا تكون إلا بالمعرفة. قال الله تعالى:{ إِنَّمَا يَخْشَى ٱللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ ٱلْعُلَمَاءُ } [فاطر: 28]. قوله تعالى: { فَأَرَاهُ ٱلآيَةَ ٱلْكُبْرَىٰ } وهي قلب العصا حية، وهي أصل آياته، وأكبر معجزاته. وقال جمهور المفسرين: هي العصا واليد، وجعلهما " آية "؛ لانتظامهما في سلك واحد، وتساوُقهما معاً. { فَكَذَّبَ } بموسى وآياته، { وَعَصَىٰ } الله بعد صحة علمه أن الطاعة قد وجبت عليه. وقيل: عصى رسوله. { ثُمَّ أَدْبَرَ } عن الإيمان { يَسْعَىٰ } يعمل بالفساد. وقيل: أدبر حين رأى انقلاب العصا حية. " يسعى ": يُسرع في مشيه خوفاً منها. { فَحَشَرَ } أي: فجمع قومه وجنوده. وقيل: جمع السحرة، بدليل قوله:{ فَأَرْسَلَ فِرْعَونُ فِي ٱلْمَدَآئِنِ حَاشِرِينَ } [الشعراء: 53]. { فَنَادَىٰ } في المقام الذي اجتمعوا فيه. يُروى أنه قام فيهم خطيباً. ويجوز أن يكون المعنى: أمر منادياً فنادى بهذه الكلمة الشنيعة. { فَقَالَ أَنَاْ رَبُّكُمُ ٱلأَعْلَىٰ } أي: لا رَبَّ فوقي. وقيل: أراد: أن الأصنام أربابٌ وأنه فوقها. أخبرنا أبو الحسن المؤيد بن محمد بن علي المقرئ الطوسي في كتابه قال: أخبرنا عبدالجبار بن أحمد بن محمد الخواري، أخبرنا علي بن أحمد النيسابوري، أخبرنا المؤمل بن محمد، أخبرنا محمد بن عبدالله الحافظ، حدثنا موسى بن إسماعيل القاضي، حدثنا محمد بن أحمد [بن البراء]، حدثنا عبدالمنعم بن إدريس، حدثنا عبدالصمد بن معقل، عن أبيه، عن وهب بن منبه، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا رب أمهلت فرعون أربعمائة سنة وهو يقول: أنا ربكم الأعلى، [ويكذب] آياتك، ويجحد رسلك، فأوحي إليه: أنه كان حَسَنَ الخُلْق، سَهْلَ الحِجَاب، فأحببتُ أن أُكافئه ". قوله تعالى: { فَأَخَذَهُ ٱللَّهُ نَكَالَ ٱلآخِرَةِ وَٱلأُوْلَىٰ } قال الزجاج: النَّكَال: منصوب مصدر مؤكد؛ لأن معنى: " أخذه الله ": نَكَّلَ به، " نكال الآخرة والأولى " أي: أغرقه في الدنيا ويعذبه في الآخرة. قال: وجاء في التفسير: أن نكال الآخرة والأولى؛ لقوله:{ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرِي } [القصص: 38]، وقوله: { أَنَاْ رَبُّكُمُ ٱلأَعْلَىٰ } ، فنكّل الله به نكال هاتين الكلمتين. قلتُ: وهذا المعنى الثاني الذي حكاه الزجاج هو قول جمهور المفسرين. قال ابن عباس: كان بين الكلمتين أربعون سنة. قال السدي: بقي بعد الآخرة ثلاثين سنة. والمعنى الأول؛ قول الحسن وقتادة. { إِنَّ فِي ذَلِكَ } الذي فَعَلَ بفرعون حين كذّب وعصى { لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَىٰ }. ثم خاطب منكري البعث فقال: { ءَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ ٱلسَّمَآءُ بَنَاهَا }.