الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يَوْمَ يَقُومُ ٱلرُّوحُ وَٱلْمَلاَئِكَةُ صَفّاً لاَّ يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَقَالَ صَوَاباً } * { ذَلِكَ ٱلْيَوْمُ ٱلْحَقُّ فَمَن شَآءَ ٱتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِ مَآباً } * { إِنَّآ أَنذَرْنَاكُمْ عَذَاباً قَرِيباً يَوْمَ يَنظُرُ ٱلْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ ٱلْكَافِرُ يٰلَيْتَنِي كُنتُ تُرَاباً }

قوله تعالى: { يَوْمَ يَقُومُ ٱلرُّوحُ وَٱلْمَلاَئِكَةُ صَفّاً } الظرف متعلق بقوله: " لا يملكون " أو بقوله: " لا يتكلمون " ، أو بمضمر تقديره: اذكر.

وفي الروح خمسة أقوال:

أحدها: أنهم خَلْقٌ من خلق الله، على صورة بني آدم يأكلون ويشربون، وليسوا بملائكة. قاله مجاهد. وروي معناه مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

الثاني: أنه مَلَكٌ ما خلق الله مَلَكاً أعظم منه، فإذا كان يوم القيامة قام هو وحده صفاً، وقامت الملائكة كلهم صفاً واحداً، فيكون عِظَم خلقه مثل صفوفهم.

قال ابن مسعود: هو أعظمُ من خَلْقِ السماوات والجبال والملائكة.

الثالث: أنها أرواح الناس تقوم مع الملائكة فيما بين النفختين، قبل أن تُردََّ إلى الأجساد. وهذه الأقول الثلاثة مروية عن ابن عباس.

الرابع: أنه جبريل عليه السلام. قاله الشعبي وسعيد بن جبير والضحاك.

الخامس: أنهم بنو آدم. قاله الحسن وقتادة. على معنى: يقوم ذووا الروح.

قال الشعبي: هما سماطان، سماط من الروح، وسماط من الملائكة. فيكون المعنى على هذا: يقوم الروح صفاً والملائكة صفاً.

وقال ابن قتيبة: معنى قوله: " صفاً ": صفوفاً.

وقوله: { لاَّ يَتَكَلَّمُونَ } جائز أن يكون في محل الحال، وجائز أن يكون جملة مستأنفة. { إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ } في الكلام، { وَقَالَ صَوَاباً } حقاً في الدنيا وعمل به.

وقال أبو صالح: قال: لا إله إلا الله.

وقال صاحب الكشاف: هما شريطتان: أن يكون المتكلم منهم مأذوناً له في الكلام، وأن يتكلم بالصواب فلا يشفع لغير مرتضى.

قوله تعالى: { فَمَن شَآءَ ٱتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِ مَآباً } أي: مرجعاً بالطاعة.

ثم خوّف كفار مكة فقال: { إِنَّآ أَنذَرْنَاكُمْ عَذَاباً قَرِيباً } وهو عذاب الآخرة.

{ يَوْمَ يَنظُرُ ٱلْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ } قال الزمخشري: " المرء ": هو الكافر؛ [لقوله]: { إِنَّآ أَنذَرْنَاكُمْ عَذَاباً قَرِيباً } ، والكافر: ظاهر وُضع موضع الضمير لزيادة الذم.

وقال أكثر المفسرين: المرء: اسم جنس يشمل الصالح والطالح، أخبر الله أنهم يرون يوم القيامة ما قَدَّموا في الدنيا من الأعمال السيئة والحسنة مُثْبَتاً في صحائف أعمالهم.

وقال قتادة: هو المؤمن.

و " ما " موصولة، والراجع إلى الصلة محذوف.

ويجوز أن تكون استفهامية، على معنى: أيّ شيء قدمت يداه.

{ وَيَقُولُ ٱلْكَافِرُ يٰلَيْتَنِي كُنتُ تُرَاباً } قال عبدالله بن عمرو: إذا كان يوم القيامة، مدّت الأرض مد الأديم، وحُشرت الدواب والبهائم والوحش، ثم يُجعل القصاص بين الدواب، حتى يقتصّ للشاة الجمّاء من الشاة القرناء تنطحها، فإذا فُرغ من القصاص قال لها: كوني تراباً، فعند ذلك يقول الكافر: يا ليتني كنت تراباً.

وقال الحسن: إذا جمع الله الخلائق يوم القيامة فقضى بين الثقلين الجن والإنس وأنزلهم منازلهم، قال لسائر الخلق: كونوا تراباً، فحيئنذ يقول الكافر: يا ليتني كنت تراباً.

وقيل: المراد بالكافر: إبليس، يرى آدمَ وولدَه وثوابَهم، فيتمنى أن يكون الشيء الذي احتقره حين قال:خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ } [الأعراف: 12].

وقال الزجاج: وقيل المعنى: يا ليتني كنتُ تراباً، أي: يا ليتني لم أُبعث، كما قال:يٰلَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَٰبِيَهْ } [الحاقة: 25].