الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ } * { عَنِ ٱلنَّبَإِ ٱلْعَظِيمِ } * { ٱلَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ } * { كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ } * { ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ } * { أَلَمْ نَجْعَلِ ٱلأَرْضَ مِهَٰداً } * { وَٱلْجِبَالَ أَوْتَاداً } * { وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجاً } * { وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً } * { وَجَعَلْنَا ٱلَّيلَ لِبَاساً } * { وَجَعَلْنَا ٱلنَّهَارَ مَعَاشاً } * { وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً } * { وَجَعَلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجاً } * { وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلْمُعْصِرَاتِ مَآءً ثَجَّاجاً } * { لِّنُخْرِجَ بِهِ حَبّاً وَنَبَاتاً } * { وَجَنَّاتٍ أَلْفَافاً }

قوله تعالى: { عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ } أصله: عَنْ مَا، على أنه حرف جر دخل على " ما " الاستفهامية. والمراد: تفخيم القصة بهذا الاستفهام، كأنه قيل: عن أي شيء يتساءلون. وأدغمت النون في الميم، وحذفت ألف " ما " ، كقولهم: فِيمَ وبِمَ.

قرأ عكرمة وعيسى بن عمر: " عَمَّا يتساءلون " بإثبات الألف، وأنشدوا لحسان:
على ما قَامَ يَشْتمني لَئِيمٌ   كخنزيرٍ تمرَّغ في رَمَادِ
وقد سبق ذلك فيما مضى.

قال المفسرون: لما بُعث رسولُ الله صلى الله عليه وسلم جعل كفار قريش بمكة يتساءلون بينهم: ما الذي أتى به محمد؟ ويختصمون فيه، فنزلت هذه الآية.

ثم ذكر تساءلهم عَمَّ هو فقال: { عَنِ ٱلنَّبَإِ ٱلْعَظِيمِ } أي: الخبر العظيم الشأن.

وهو القرآن، في قول مجاهد ومقاتل.

والبعث، في قول قتادة.

وقيل: هو أمر محمد صلى الله عليه وسلم.

{ ٱلَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ } إن قلنا: هو القرآن، فاختلافهم فيه ظاهر، فمنهم من قال: شعر، ومنهم من قال: كهانة، ومنهم من قال: أساطير الأولين.

وإن قلنا: هو البعث، فاختلافهم فيه تصديق بعضهم به، وتكذيب بعض حين أُخبروا به.

وقيل: تصديق المؤمنين وتكذيب الكافرين.

وإن قلنا: هو أمر النبي صلى الله عليه وسلم، فاختلافهم فيه ظاهر.

قوله تعالى: { كَلاَّ } ردعٌ للمتسائلين على وجه الاستهزاء والتكذيب.

ثم توعدهم بقوله: { سَيَعْلَمُونَ } والمعنى: سوف يعلمون عاقبة استهزائهم وتكذيبهم، أو سوف يعلمون أن ما يتساءلون عنه [ويضحكون] منه حق لا محالة.

ثم كرّر ذلك توكيداً فقال: { ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ }.

وقرأتُ على الشيخين أبي البقاء اللغوي وأبي عمرو الياسري: " ستعلمون " بالتاء فيهما، [من طريق التغلبي] عن ابن ذكوان.

ثم دلهم على كمال قدرته على إيجاد ما أراد من البعث وغيره بقوله: { أَلَمْ نَجْعَلِ ٱلأَرْضَ مِهَٰداً } أي: فراشاً، { وَٱلْجِبَالَ أَوْتَاداً } للأرض؛ لئلا تميد بهم، { وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجاً } ذكراناً وإناثاً.

{ وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتاً } قال ابن قتيبة: راحة لأبدانكم. وقد فسرناه في الفرقان.

{ وَجَعَلْنَا ٱلَّيلَ لِبَاساً } ساتراً بظلمته، كما يستر الثوب لابسه.

{ وَجَعَلْنَا ٱلنَّهَارَ مَعَاشاً } أي: وقت معاشٍ تتقلبون فيه لحوائجكم ومكاسبكم.

{ وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً } يريد: السماوات السبع. ويعني بشدتها: إتقانها وإحكامها، وأن مرور الدهور لا يؤثر فيها كما يؤثر في الأبنية المتعارفة.

{ وَجَعَلْنَا سِرَاجاً وَهَّاجاً } أي: وقّاداً، يجمع النور والحرارة. يعني: الشمس.

{ وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلْمُعْصِرَاتِ } وهي السماوات، في قول أبي بن كعب، والحسن، وسعيد بن جبير.

والرياح، في قول ابن عباس وعكرمة.

قال زيد بن أسلم: هي الجنوب.

قال الأزهري: هي الرياح ذوات الأعاصير.

و " مِنْ " بمعنى الباء، تقديره: بالمعصرات، سُمّيت بذلك؛ لأن الرياح تستدرّ المطر.

والسحاب، في قول أبي العالية، والضحاك، والربيع، وابن عباس في رواية الوالبي، قالوا: هي السحاب التي تتحلب بالمطر ولمّا تمطر، كالمرأة المعصر، وهي التي دنا حيضها.

السابقالتالي
2