الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ هَلْ أَتَىٰ عَلَى ٱلإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ ٱلدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً } * { إِنَّا خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً } * { إِنَّا هَدَيْنَاهُ ٱلسَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً }

قال الله تعالى: { هَلْ أَتَىٰ عَلَى ٱلإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ ٱلدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً } قال الفراء: [معناه]: قد أتى، و " هَلْ " تكون خبراً وتكون جحداً، فهذا من الخبر؛ لأنك تقول: هل وعظتك؟ هل أعطيتك؟ فتقرّره بأنك قد فعلت ذلك. والجحد أن تقول: هل يقدر أحد على مثل هذا. وهذا قول المفسرين وأهل اللغة.

وقيل: إنه استفهام في معنى التقرير، تقديره: أليس قد أتى على الإنسان.

والمراد بالإنسان: آدم عليه السلام، والحين الذي أتى عليه: أربعون سنة، وذلك حين كان جسداً مصوراً من طين قبل أن يُنفخ فيه الروح. وهذا قول أكثر أهل العلم.

ويروى عن ابن عباس وابن جريج: أنه اسم جنس.

فعلى هذا؛ المراد بالحين: زمن كونه نطفة وعلقة ومضغة.

وقوله: { لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً } في محل النصب على الحال من " الإنسان " ، تقديره: هل أتى عليه حين غير مذكور. أو في محل الرفع على الوصف لـ " حين ".

والمعنى: لم يكن شيئاً مذكوراً في الخلق وإن كان عند الله شيئاً مذكوراً.

وقال قطرب والفراء وثعلب: قد كان شيئاً ولم يكن شيئاً مذكوراً.

أخبرنا الشيخ أبو عبدالله أحمد بن طلحة البغدادي، أخبرنا أبو القاسم يحيى بن أسعد، أخبرنا أبو طالب ابن يوسف، أخبرنا أبو علي ابن المذهب، أخبرنا أبو بكر أحمد بن جعفر القطيعي، حدثنا عبدالله بن الإمام أحمد قال: حدثني أبي، ثنا علي بن إسحاق، أخبرنا عبدالله، أخبرنا أبو عمر زياد بن أبي مسلم، عن أبي الخليل، أو زياد بن مخراق، سمع عمر رضي الله عنه رجلاً يقرأ: { هَلْ أَتَىٰ عَلَى ٱلإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ ٱلدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً } فقال عمر: ليتها تمّت.

وقال عون بن عبدالله: قرأ رجلٌ عند ابن مسعود هذه الآية، فقال: ألا ليت ذلك لم يكن.

قوله تعالى: { إِنَّا خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ } قال الزمخشري: هو كبُرْمَةٍ أعْشَارٍ، وبُرْدٍ أكْيَاشٍ، وهي ألفاظ مفردة غير جموع، ولذلك وقعت صفات للأفراد. ويقال أيضاً: نطفة مشج. قال الشمَّاخ:
طَوَتْ أحشاءَ مُرْتِجَةٍ لوقتْ   على مَشَجٍ سُلالَتُهُ مَهِين
ولا يصح " أمشاج " أن يكون تكسيراً له، بل هما مِثْلان في الإفراد، لوصف المفرد بهما.

وقال غيره: واحد الأمْشَاج: مَشْجٌ ومَشِيجٌ، ويقال: مشجت هذا بهذا، أي: خلطته، فهو مَمْشُوجٌ ومَشِيجٌ، مثل: مَخْلُوطٌ وخَلِيطٌ.

والمعنى: من نطفة قد امتزج واختلط فيها الماءان.

قال ابن عباس والحسن ومجاهد وعكرمة والربيع وجمهور المفسرين: يريد: ماء الرجل وماء المرأة، يختلطان في الرحم، فيكون منهما جميعاً الولد.

وماء الرجل أبيض غليظ، وماء المرأة أصفر رقيق، فأيهما علا [ماء] صاحبه كان الشبه له.

السابقالتالي
2