الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ لاَ أُقْسِمُ بِيَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ } * { وَلاَ أُقْسِمُ بِٱلنَّفْسِ ٱللَّوَّامَةِ } * { أَيَحْسَبُ ٱلإِنسَانُ أَلَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ } * { بَلَىٰ قَادِرِينَ عَلَىٰ أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ } * { بَلْ يُرِيدُ ٱلإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ } * { يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ ٱلْقِيَامَةِ } * { فَإِذَا بَرِقَ ٱلْبَصَرُ } * { وَخَسَفَ ٱلْقَمَرُ } * { وَجُمِعَ ٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ } * { يَقُولُ ٱلإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ ٱلْمَفَرُّ } * { كَلاَّ لاَ وَزَرَ } * { إِلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ ٱلْمُسْتَقَرُّ } * { يُنَبَّأُ ٱلإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ } * { بَلِ ٱلإِنسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ } * { وَلَوْ أَلْقَىٰ مَعَاذِيرَهُ }

قوله تعالى: { لاَ أُقْسِمُ بِيَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ } اتفقوا على أن المعنى: أقسم بيوم القيامة.

واختلفوا في " لا " فقال ابن عباس وسعيد بن جبير وأبو عبيدة: هي صلة، وأنشدوا:
تذكَّرْتُ ليلى [فاعْتَرتْنِي] صَبَابةٌ   وكادَ ضميرُ القلب لا يتقطَّع
أراد: وكاد ضمير القلب يتقطّع، ومثله:

وقال أبو بكر بن عياش وغيره: دخلت " لا " توكيداً للقسم، كقولك: لا والله، ومنه قول امرئ القيس:
لا وأبيكِ ابنةَ العامريِّ   لا يَدَّعِي القومُ [أني] أفرّ
وقال الفراء: " لا " ردٌّ على الذين أنكروا البعث والجنة والنار.

ويدل على هذا قراءة من قرأ " لأُقْسِمُ " يجعلها لاماً دخلت على " أُقْسِم ". وهي قراءة ابن عباس وأبي عبد الرحمن السلمي والحسن وعكرمة وابن محيصن، وبها قرأتُ لابن كثير بخلاف عنه، ولأبي عمرو من رواية عبدالوارث.

قال الزجاج: وهذه القراءة بعيدة في العربية؛ لأن لام القسم لا تدخل على الفعل المستقبل إلا مع النون، تقول: لأضربنَّ زيداً، ولا يجوز: لأضربُ زيداً.

وقال غيره في هذه القراءة: اللام للابتداء، و " أُقْسِم ": خبر مبتدأ محذوف، معناه: لأَنا أقسم، ويعضده أنه في الإمام بغير ألف.

قوله تعالى: { وَلاَ أُقْسِمُ بِٱلنَّفْسِ ٱللَّوَّامَةِ } قال قتادة: حكمُها حكمُ الأولى.

قال الحسن: أقسَمَ بالأولى، ولم يُقسم بالثانية.

قال الماوردي: يكون تقدير الكلام: أقسم بيوم القيامة، ولا أقسم بالنفس اللوامة.لِّئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ ٱلْكِتَابِ } [الحديد: 29].

والصحيح: انتظامهما في سلك واحد، وأنهما قَسَمان.

فإن قيل: المقسَم عليه ما دل عليه قوله: { أَيَحْسَبُ ٱلإِنسَانُ أَلَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ } ، كأنه قيل: أقسَمَ لتُبعثن. فعلى هذا؛ القسم بيوم القيامة [معقول]؛ لما يشتمل عليه من الأهوال، والأمور العِظام الدالَّة على قدرة خالقها، وعظمة مُوجِدِها، والتذكير بذلك اليوم العظيم ليُهَيّجُهُم على الإيمان به، والاستعداد له، فما معنى القَسَم بالنفس اللوامة؟

قلتُ: النفس اللوامة هي التي [تتلوَّم] حين لا ينفعها التَّلوُّم، وذلك يوم القيامة. فهو منتظم في معنى القَسَم الأول.

قال الفراء: ليس من نفس برّةٍ ولا فاجرةٍ إلا وهي تلوم نفسها، إن كانت عملت خيراً قالت: هلاّ [ازددتُ]، وإن كانت عملت شراً قالت: ليتني لم أفعل. وهذا معنى ما رواه عطاء عن ابن عباس.

وقيل: هي التي لا تزال تلوم نفسها وإن اجتهدت في الإحسان.

قال الحسن: لا ترى المؤمن إلا لائماً لنفسه، وإن الكافر يمضي قُدُماً لا يعاتب نفسه.

فعلى هذا؛ يكون القسم بالنفس المؤمنة الشديدة الخوف من ربها، أقسم بها مُؤذناً بشرفها، معرّضاً بتوبيخ الكفار لإعراضهم عن مراقبة ربهم، ومحاسبة أنفسهم، ظناً منهم أنها مُهملة، لا تُجمع لفصل القضاء والعَرْض على الله للجزاء.

وقيل: هي نفس آدم لم تزل [تتلوَّم] على فعلها الذي خرجت به من الجنة.

السابقالتالي
2 3 4