الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ } * { إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ } * { فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَٱتَّبِعْ قُرْآنَهُ } * { ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ } * { كَلاَّ بَلْ تُحِبُّونَ ٱلْعَاجِلَةَ } * { وَتَذَرُونَ ٱلآخِرَةَ } * { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ } * { إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } * { وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ } * { تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ }

قوله تعالى: { لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ } أي: بالقرآن.

أخرج [الشيخان] في الصحيحين والنسائي والترمذي وغيرهم من حديث ابن عباس في هذه الآية قال: " كان النبي صلى الله عليه وسلم يُعالج من التنزيل شدة ".

وفي رواية الترمذي: " يحرك به لسانه يريد أن يحفظه ".

وفي رواية: " يحرك لسانه وشفتيه قبل فراغ جبريل مخافة أن لا يحفظ، فأنزل الله تبارك وتعالى: { لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ } ".

ونظير هذه الآية قوله:وَلاَ تَعْجَلْ بِٱلْقُرْءانِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَىٰ إِلَيْكَ وَحْيُهُ } [طه: 114].

{ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ } جمعه في صدرك، " وقرآنه " أي: وإثبات قرآنه في لسانك. أو إن علينا قراءته عليك، أي: إن جبريل يقرأه عليك حتى تحفظه.

{ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ } أي: إذا فرغ جبريل من قراءته.

قال الزمخشري: جعل قراءة جبريل قراءته، والقرآن القراءة.

{ فَٱتَّبِعْ قُرْآنَهُ } فكن مُقَفِّياً له فيه ولا تراسله.

وقال ابن عباس: اعمل به. فكان النبي صلى الله عليه وسلم بَعْدَ هذا إذا نزل عليه جبريل بالوحي أطرق، فإذا فرغ وذهب قرأه كما وعده الله.

{ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ } تبيينه بلسانك، فتقرأه كما أقرأك جبريل. هذا قول ابن عباس.

وقال قتادة: علينا بيان ما فيه من الأحكام، والحلال والحرام.

وقال الحسن: علينا أن نجزي يوم القيامة بما فيه من وعد ووعيد.

قوله تعالى: { كَلاَّ } ردعٌ للنبي صلى الله عليه وسلم عن العجلة، وحثٌ على التؤدة.

وقال عطاء: المعنى: لا يؤمن أبو جهل بالقرآن وببيانه.

{ بَلْ تُحِبُّونَ ٱلْعَاجِلَةَ } قرأ نافع وأبو جعفر وأهل الكوفة: " تحبون " ، " وتذرون " بالتاء فيهما على المخاطبة، على معنى: قل لهم يا محمد: بل تحبون العاجلة. وعلى معنى: أنتم يا بني آدم تحبون العاجلة، وهي الدنيا فتعملون لها، { وَتَذَرُونَ ٱلآخِرَةَ } لا تعملون لها.

وقرأ الباقون من العشرة: " يحبون " ، " ويذرون " بالياء فيهما على المغايبة، حملاً على ما قبله من لفظ الغيبة.

قوله تعالى: { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ } يعني: يوم القيامة { نَّاضِرَةٌ } ناعمة غَضَّة حسنة. يقال: شجرة ناضر، وروض ناضر.

قال المفسرون: مُشْرِقةٌ بالنعيم.

قال الزمخشري: الوجه: عبارة عن الجملة.

{ إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } قال ابن عباس: يريد: إلى الله ناظرة.

وقال في رواية أخرى: تنظر إلى الله لا تُحجب عنه.

قال مقاتل: تنظر إلى ربها معاينة.

وقد ذكرتُ طرفاً من ذلك في سورة يونس، وأقمت حجة الله على منكري نظر المؤمنين إلى ربهم في الجنة. وهذا قول عامة المفسرين.

ويروى عن ابن عمر ومجاهد: أن المعنى: إلى ثواب ربها ناظرة، على حذف المضاف.

قال الزمخشري: سمعتُ سَرَوِيَّةً مُستجديةً بمكة وقت الظهر حين يُغلق الناسُ أبوابَهم، ويأوون إلى مقائلهم، تقول: عُيَيْنَتي نُويْظِرة إلى الله وإليكم.

وهذا لا ينفي إثبات الرؤية لله؛ لأنها ثابتة بأدلة أُخَر لا يتطرّق إليها تأويل.

والأول هو الصحيح، وإليه ذهب علماء السنة وجمهور الأمة.

قوله تعالى: { وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ } قال قتادة: كالحة.

قال ابن قتيبة: مُقطِّبة عابسة.

{ تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ } قال مجاهد: داهية.

قال غيره: داهية تقصِم فَقَار الظهر.

قال ابن زيد: الفاقرة: دخول النار.

وقال ابن السائب: هي أن تُحجب عن ربها فلا تَنظُر إليه.