الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يٰأَيُّهَا ٱلْمُدَّثِّرُ } * { قُمْ فَأَنذِرْ } * { وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ } * { وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ } * { وَٱلرُّجْزَ فَٱهْجُرْ } * { وَلاَ تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ } * { وَلِرَبِّكَ فَٱصْبِرْ } * { فَإِذَا نُقِرَ فِي ٱلنَّاقُورِ } * { فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ } * { عَلَى ٱلْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ }

فصل

قرأ الأكثرون: " المدَّثِّر ". وقرأ أبي بن كعب وأبو عمران الجوني والأعمش: " المتَدَثِّر ".

وقرأ أبو رجاء وعكرمة: " [المدَثَّر] " بتخفيف الدال. وقد نبهنا على علّة ذلك في أول المزمل.

والأكثرون على أنه من التَّدثير بالثياب.

وقيل: المدثر بالنبوة، كما في المزمّل.

{ قُمْ فَأَنذِرْ } أي: قم من مضجعك.

وقيل: هو أمرٌ له [بالتشمير] في الإنذار والجِدّ فيه، فأنْذِرْ كفار مكة وغيرهم، وحَذِّرْهُمُ عقوبة الله إن لم يؤمنوا.

{ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ } أي: عَظِّم.

وفي الحديث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لما نزلت [قال رسول الله صلى الله عليه وسلم]: " الله أكبر " ، فكبّرت خديجة وفرحت، وأيقنت أنه الوحي ".

{ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ } قال مجاهد وقتادة: نفسك فطهِّر من الذنوب.

قال ابن قتيبة: كنَّى عن الجسم بالثياب؛ لأنها تشتمل عليه. ويشهد له قول عنترة:
فَشَكَكْتُ بالرمحِ الأصمِّ ثيابَهُ   ليسَ الكريمُ على القَنَا بمُحَرَّم
وهو قريبٌ من قول من قال: وعملك فأصلح.

قال السدي: يقال للرجل إذا كان صالحاً: إنه لطاهر الثياب، وإذا كان فاجراً: إنه لخبيث الثياب.

وقال ابن عباس: لا تلبسها على معصية ولا على غدرة.

قال غيلان بن سلمة الثقفي:
وإني [بحمدِ] اللهِ لا ثوبَ فَاجرٍ   لبستُ ولا مِنْ غَدْرَةٍ أتقنَّعُ
وروي عن ابن عباس أيضاً: أن المعنى: لا تكن ثيابك من كسب غير طاهر.

وقال ابن سيرين وابن زيد: أمره بتطهير ثيابه من النجاسات التي لا تجوز معها الصلاة.

وقال سعيد بن جبير: وقلبك فطهر. ويشهد له قول امرئ القيس:
فإنْ تكُ قد ساءتكَ مني خليقةٌ   فَسُلِّي ثيابي من ثيابكِ تنسُلي
أي: قلبي من قلبك.

وقال طاووس والزجاج: وثيابك فقصّر؛ لأن تقصير الثوب أبعدُ من النجاسة.

{ وَٱلرُّجْزَ فَٱهْجُرْ } وقرأ حفص: " والرُّجْزَ " بضم الراء.

قال عامة المفسرين: يريد: الأوثان.

وقيل: الإثم.

قال الزجاج: الرجز في اللغة: العذاب. ومعنى الآية: اهجر ما يؤدي إلى عذاب الله.

{ وَلاَ تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ } قال الزجاج: " تستكثر " حالٌ متوقعة.

وهذا للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة، وليس على الإنسان إثم في أن يُهدي هدية يرجو بها ما هو أكثر منها. والنبي صلى الله عليه وسلم أدبه الله تعالى بأشرف الآداب، وأجلّ الخلائق.

قال جمهور المفسرين: المعنى: لا تُعطِ شيئاً لتُعطى أكثر منه.

وقال الحسن: لا تمنن بعملك فَتُكَثِّرَهُ على ربك.

وقال مجاهد: لا تَضْعُفْ عن الخير أن تستكثر منه.

وقرأ الحسن: " تستكثرْ " بالسكون.

قال الزمخشري: وفيه ثلاثة أوجه: الإبدال من " تَمْنُن ". كأنه قيل: [ولا] تمنن لا تستكثر؛ على أنه من المنّ في قوله عز وجل:

السابقالتالي
2