قال الله تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلْمُزَّمِّلُ } قرأ الأكثرون: " المزّمل " بإدغام التاء في الزاي؛ لقربها منها. وقرأ جماعة، منهم: أبي بن كعب، والأعمش: " المتزمّل " بإظهار التاء على الأصل. وقرأ عكرمة: " المُزَمِّل " بحذف التاء وتخفيف الزاي، على معنى: يا أيها المزَمّل نفسه. والمزّمّل: هو الذي تَزَّمَّلَ في ثيابه، أي: تَلَفَّفَ فيها. قال أبو [عبدالله] الجدلي: سألت عائشة رضي الله عنها عن قوله عز وجل: { يٰأَيُّهَا ٱلْمُزَّمِّلُ } ما كان تزميله ذلك؟ قالت: كان مِرْطاً، طولُه أربع عشرة ذراعاً، نصفه عليّ وأنا نائمة، ونصفه على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي. قال أبو عبدالله: فسألتها: ما كان؟ [فقالت: والله ما كان] خَزّاً ولا قَزّاً ولا مِرْعِزَّى ولا إبريسم [ولا صوفاً]، كان سَداهُ شَعْراً ولحُمته وَبَراً. [وقال] السدي: كان قد تزمّل للنوم. وقال مقاتل: خرج من البيت وقد لبس ثيابه، فناداه جبريل: " يا أيها المزمل ". وقال ابن عباس: يا أيها المزمل بالقرآن. وقال عكرمة: يا أيها المزمل بالنبوة. فإن قيل: ما الحكمة في ندائه هاهنا بالمزمل دون النبي والرسول؟ قلتُ: لأن هذه الآية من أول ما خُوطب به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رسخ قدمه في النبوة والرسالة، فُخِّمَ وعُظِّمَ بالخطاب المنوّه بهما. { قُمِ ٱلَّيلَ إِلاَّ قَلِيلاً } يعني: قُمْهُ مصلِّياً. قال المفسرون: كان قيام الليل فرضاً عليه. وتقديره: قم الليل نصفه إلا قليلاً. فـ " نصفه " بدل من " الليل " ، كما تقول: ضربت زيداً رأسه. و " قليلاً ": استثناء منه، قدّم المستثنى على المستثنى منه، والضمير في " منه " و " عليه " للنصف. والمعنى: التخيير بين أمرين، وهما القيام أقلّ من نصف الليل على البَتِّ والقطع، [أو اختيار] أحد الأمرين، وهما النقصان من النصف والزيادة عليه. ويجوز أن يكون " نصفه " بدلاً من " قليلاً ". { وَرَتِّلِ ٱلْقُرْآنَ تَرْتِيلاً } قال ابن عباس: بيّنه تبييناً. قال الزجاج: البيانُ لا يتم بأن تَعْجَلَ في القراءة، وإنما يتم التبيين بأن تُبَيِّنَ جميعَ الحروف وتُوفّي حقها من الإشباع. قال أبو [جمرة]: قلت لابن عباس: إني رجل في قراءتي وفي كلامي عَجَلَة، فقال ابن عباس: لأن أقرأ سورة البقرة أُرتِّلها أحبّ إليّ من أقرأ القرآن كله. وسُئلت عائشة عن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: لا كَسَرْدِكُم هذا، لو أراد السامعُ أن يَعُدَّ حروفه لعدّها. وقال عمر رضي الله عنه: شَرُّ السَّيْر: الحَقْحَقَة، وشَرُّ القراءة: الهَذْرَمَة.
وفي مسند الإمام أحمد من حديث عبدالله بن [عمرو] عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: