الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ ٱسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ ٱلْجِنِّ فَقَالُوۤاْ إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً } * { يَهْدِيۤ إِلَى ٱلرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشرِكَ بِرَبِّنَآ أَحَداً } * { وَأَنَّهُ تَعَالَىٰ جَدُّ رَبِّنَا مَا ٱتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلاَ وَلَداً } * { وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى ٱللَّهِ شَطَطاً } * { وَأَنَّا ظَنَنَّآ أَن لَّن تَقُولَ ٱلإِنسُ وَٱلْجِنُّ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً } * { وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ ٱلإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ ٱلْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً } * { وَأَنَّهُمْ ظَنُّواْ كَمَا ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَبْعَثَ ٱللَّهُ أَحَداً }

قوله تعالى: { قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ } قال الزجاج: وقُرئت: " أُحِيَ إليّ " بغير واو، [وهو من] وَحَيْتُ إليه، [والأكثر] أوحيتُ. والأصل: يعني في " أُحِيَ ": وُحِيَ ، ولكن الواو إذا انضمت فقد تُبدل منها الهمزة ، نحو:وَإِذَا ٱلرُّسُلُ أُقِّتَتْ } [المرسلات: 11]، أصله: وُقّتت؛ لأنه من الوقت.

قال الزمخشري: هو من القلب المطلق جوازه في كل واو مضمومة؛ وقد أطلقه المازني في المكسورة أيضاً؛ كإشاح، وإسادة، وإعاء أخيه.

وقرأ ابن أبي عبلة: " وُحِيَ " على الأصل.

{ أَنَّهُ ٱسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ ٱلْجِنِّ } [اتفق] القراء العشرة وأكثر القراء على فتح هذه الهمزة، وذلك أنه مفعولٌ [قام] مقام الفاعل لـ " أوحي ". وقد ذكرنا في الأحقاف سبب نزول هذه الآية، وسبب استماعهم، وعددهم، ومعنى النَّفَر.

قال المفسرون: كانوا من الشيصبان -قبيلة من الجن-، وهم أكثر الجن عدداً، وعامة جنود إبليس منهم.

{ فَقَالُوۤاْ } لقومهم حين رجعوا إليهم: { إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً } بديعاً يُعجب منه؛ لبلاغته، وهو مصدر وُضع موضع العجب.

{ يَهْدِيۤ إِلَى ٱلرُّشْدِ } يدعو إلى الصواب من التوحيد والإيمان والطاعة.

{ فَآمَنَّا بِهِ } أي: بالقرآن.

قوله تعالى: { وَأَنَّهُ تَعَالَىٰ جَدُّ رَبِّنَا } قرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وحفص: " وأنه " بفتح الهمزة وما بعدها إلى قوله:وَأَنَّا مِنَّا ٱلْمُسْلِمُونَ } [الجن: 14]، وهي اثنتا عشرة همزة. وكسرها الباقون.

فمن فتح ذلك حمله على " أوحي " ، ومن كسر فعلى الاستئناف.

وقرأ أبو جعفر المدني: { وَأَنَّهُ تَعَالَىٰ } ، { وَأَنَّهُ كَانَ [يَقُولُ] } ، { وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ } بالفتح فيهن؛ لما ذكرناه، وكَسَرَ ما عدا هذه المواضع الثلاثة على الاستئناف.

قال الزجاج: والذي يختاره النحويون: قراءة نافع وأبي عمرو وعاصم في هذا؛ لأنه عندهم ما كان محمولاً على الوحي، فهو " أنه " بالفتح، وما كان من قول الجن [فهو] مكسور معطوف على قوله: { فَقَالُوۤاْ إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً }. وعلى هذه القراءة يكون المعنى: وقالوا إنه تعالى جدّ ربنا، [وقالوا إنه كان يقول سفيهنا].

فأما من فتح؛ [فذكر] بعض النحويين: أنه معطوف على الهاء، المعنى عنده: فآمنا به وبأنه تعالى جَدُّ ربنا، وكذلك بعد هذا عنده.

وهذا رديء في القياس لا يُعطف على الهاء المخفوضة إلا بإظهار الخافض، ولكن وجهه: أن يكون محمولاً على معنى: آمنا به صدّقنا، فيكون المعنى: وصدّقنا أنه تعالى جَدّ ربنا.

ومعنى: جَدّ ربنا: عظمته. تقول العرب: جَدَّ فلان في عيني، بمعنى: عَظُمَ، ومنه الحديث: " كان الرجل إذا قرأ البقرة وآل عمران جَدَّ فينا، أي: عَظُمَ ".

وقال أبو عبيدة: جَدُّه: ملكه وسلطانه.

وقيل: غناه. ومنه: " لا ينفع ذا الجَدِّ منك الجَد ".

السابقالتالي
2