قوله تعالى: { حَتَّىٰ إِذَا رَأَوْاْ } يعني: كفار قريش { مَا يُوعَدُونَ } من العذاب في الدنيا والآخرة { فَسَيَعْلَمُونَ } حينئذ { مَنْ أَضْعَفُ نَاصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً } جنداً أهم أم المؤمنون. فلما سمع ذلك النضر بن الحارث قال: متى هذا الذي تُوعدنا؟ فأنزل الله: { قُلْ إِنْ أَدْرِيۤ } أي: ما أدري { أَقَرِيبٌ مَّا تُوعَدُونَ } من العذاب { أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّيۤ أَمَداً } غاية بعيدة. هذا قول جمهور المفسرين. وقال بعض المحققين: الأمد يكون قريباً وبعيداً، ألا ترى إلى قوله:{ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدَاً بَعِيداً } [آل عمران: 30]. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستقرب الموعد، فكأنه قال: ما أدري أهو حال [متوقع] في كل ساعة، أو هو مؤجل ضربت له غاية. قوله تعالى: { عَٰلِمُ ٱلْغَيْبِ } أي: هو عالم الغيب، [أو هو] نعت لـ " ربي ". والمعنى: عالم ما غاب عن العباد، { فَلاَ يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَداً } من خلقه. { إِلاَّ مَنِ ٱرْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ } أي: إلا المرتضى المخصوص بالرسالة، فإنه يطلعه على ما يشاء من غيبه. وفي هذا إبطال لأمر النجوم، وما يدّعي أصحابها من علم ما غاب عن العباد بالنظر فيها. قال العلماء بالتفسير: من ادّعى أن النجوم تدلُّه على ما يكون من حادث فقد كفر بما في القرآن. { فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ } أي: من بين يدي من ارتضاه لرسالته، { وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً } حفظة من الملائكة يحفظونه من الشياطين ويحرسونه من الوساوس؛ لئلا يُلبِّسوا عليه، حتى يُبلّغ ما أوحي إليه على الوجه الصحيح. قال الضحاك: ما بُعث نبي إلا ومعه ملائكة يحرسونه من الشياطين أن يتشبّهوا بصورة المَلَك. وقال السدي: يحفظون الوحي، فما جاء من عند الله قالوا إنه من عند الله، وما كان ألقاه الشيطان قالوا إنه من الشيطان. قوله تعالى: { لِّيَعْلَمَ } قال الزجاج: أي: ليعلم الله أن قد أبلغوا رسالاته. وما بعده يدل على هذا، وهو قوله: { وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَىٰ كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً }. وقال ابن قتيبة: ليعلم الله ذلك موجوداً. وقال قتادة: ليعلم [محمد] صلى الله عليه وسلم أن الرسل قبله قد بلغوا رسالات ربهم وحفظوا. وقال سعيد بن جبير: ليعلم محمد صلى الله عليه وسلم أن جبريل بلغ إليه رسالة ربه. وقرأ يعقوب من رواية رويس: " لِيُعْلَمَ " بضم الياء، وهي قراءة ابن عباس، على معنى: ليعلم الناس. قال ابن قتيبة: تُقرأ: " لتَعلم " بالتاء، يريد: لتعلم الجن أن الرسل [قد] بلَّغت لا هُم بما رجوا من استراق السمع. { وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ } أي: بما عند الرسل من الحِكَم والشرائع { وَأَحْصَىٰ كُلَّ شَيْءٍ } من الرمل والقطر وورق الأشجار وغيرها { عَدَداً } المعنى: فكيف لا يُحيط بما عند الرسل من وحيه وكلامه. و " عدداً " حال، أي: وضبط كل شيء معدوداً محصوراً. وقال الزجاج: يجوز أن يكون عدداً في موضع المصدر المحمول، على معنى: وأحصى، أي: وَعَدَّ كل شيء [عدداً]. والله تعالى أعلم.