الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَأَنَّ ٱلْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُواْ مَعَ ٱللَّهِ أَحَداً } * { وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ ٱللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُواْ يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً } * { قُلْ إِنَّمَآ أَدْعُواْ رَبِّي وَلاَ أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً } * { قُلْ إِنِّي لاَ أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلاَ رَشَداً } * { قُلْ إِنِّي لَن يُجِيرَنِي مِنَ ٱللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً } * { إِلاَّ بَلاَغاً مِّنَ ٱللَّهِ وَرِسَالاَتِهِ وَمَن يَعْصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً }

قوله تعالى: { وَأَنَّ ٱلْمَسَاجِدَ لِلَّهِ } اتفق القُرَّاء على فتح الهمزة هاهنا، وفيه وجهان:

أحدهما: أن يكون من جملة الموحى.

والثاني: أن يكون المعنى: ولأن المساجد لله { فَلاَ تَدْعُواْ }. فتكون اللام متعلقة: بـ " لا تدعوا ". على معنى: فلا تدعوا { مَعَ ٱللَّهِ أَحَداً } في المساجد؛ لأنها لله خالصة. ومثله:وَإِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً } [المؤمنون: 52]، أي: ولأن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون، أي: لهذا فاتقون. وهذا مذهب الخليل.

قال أبو علي: ويجوز أيضاً في غير هذا الحرف مما قُرئ بالفتح أن يحمل على هذا التأويل إذا كان مما يليق به.

وفي معنى المساجد أربعة أقوال:

أحدها: أنها المساجد المعهودة. قاله ابن عباس.

قال قتادة: كانت اليهود والنصارى إذا دخلوا كنائسَهم وبِيَعَهُم أشركوا بالله، [فأمر الله] عز وجل المسلمين أن يخلصوا له الدعاء إذا دخلوا مساجدهم.

الثاني: أنها الأعضاء السبعة التي يَسجد عليها العبد. قاله سعيد بن جبير. على معنى: أنها لله خلقاً وملكاً، فلا يُذللها لغيره جل وعلا.

وهي على التفسير الأول: جمع مَسْجِد، بكسر الجيم. وعلى الثاني: جمع مَسْجَد، بفتح الجيم.

الثالث: أن المراد بالمساجد: البقاع كلها. قاله الحسن. على معنى: أن الأرضَ كلَّها مواضعُ للسجود، وهي كلها لله فلا تعبدوا عليها غيره.

الرابع: أن المساجد: السجود. يقال: سَجدتُ سُجُوداً ومَسْجَداً -بفتح الجيم-، كما يقال: ضربت في الأرض ضَرْباً ومَضْرَباً، ثم يُجمع [فيقال]: المساجد والمضارب. قاله ابن قتيبة.

فيكون المعنى: وأن السجود لله مختصٌ به لا يُشارَكُ فيه، فلا تعبدوا غيره.

قوله تعالى: { وَأَنَّهُ } من جملة المُوحَى أيضاً { لَمَّا قَامَ عَبْدُ ٱللَّهِ } يعني: محمداً صلى الله عليه وسلم { يَدْعُوهُ } يصلي ببطن نخلة، على ما ذكرناه في الأحقاف، { كَادُواْ } يعني: الجن { يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً } يَركبُ بعضهم بعضاً، حرصاً على سماع القرآن.

وقيل: هو من قول الجن حين رجعوا إلى قومهم، [فوصفوا] لهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما رأوا من ائتمامهم به في الركوع والسجود والقيام. والقولان عن ابن عباس.

وقال الحسن وقتادة: المعنى: لما قام عبدُالله يدعو الله [أي]: يعبده ويوحده ويدعو إليه، كاد الإنس والجن يكونون عليه لبداً، ليبطلوا الحق الذي جاء به.

وقرأ هشام عن ابن عامر: " لُبَداً " بضم اللام.

قال الفراء: ومعنى القراءتين واحد، يقال: لُبَدَة ولِبَدة.

وقال غيره: لُبَداً: جمع لُبْدَة، وهي ما يلبد بعضه على بعض، ومنها: لِبْدَة الأسد.

قال الزجاج: معنى " لُبَداً ": يَركبُ بعضهم بعضاً، وكل شيء ألصقته بشيء إلصاقاً شديداً فقد لبّدته، ومن هذا اشتقاق هذه اللُّبود التي [تُفْرَش].

وقرأ جماعة، منهم: عاصم الجحدري: " لُبَّداً " بضم اللام وتشديد الباء.

السابقالتالي
2