الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَأَنَّا ظَنَنَّآ أَن لَّن نُّعْجِزَ ٱللَّهَ فِي ٱلأَرْضِ وَلَن نُّعْجِزَهُ هَرَباً } * { وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا ٱلْهُدَىٰ آمَنَّا بِهِ فَمَن يُؤْمِن بِرَبِّهِ فَلاَ يَخَافُ بَخْساً وَلاَ رَهَقاً } * { وَأَنَّا مِنَّا ٱلْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا ٱلْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَـٰئِكَ تَحَرَّوْاْ رَشَداً } * { وَأَمَّا ٱلْقَاسِطُونَ فَكَانُواْ لِجَهَنَّمَ حَطَباً } * { وَأَلَّوِ ٱسْتَقَامُواْ عَلَى ٱلطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُم مَّآءً غَدَقاً } * { لِّنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَاباً صَعَداً }

قوله تعالى: { وَأَنَّا ظَنَنَّآ } أي: أيقنا { أَن لَّن نُّعْجِزَ ٱللَّهَ فِي ٱلأَرْضِ } أي: لن نفوته طلباً إذا طلبنا، { وَلَن نُّعْجِزَهُ هَرَباً }.

قال الزمخشري: قوله: " في الأرض " ، " هرباً ": حالان، أي: لن نعجزه كائنين في الأرض، ولن نعجزه هاربين منها إلى السماء. وهذه صفات أحوال الجن وما هم عليه من أحوالهم وعقائدهم.

قوله تعالى: { وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا ٱلْهُدَىٰ آمَنَّا بِهِ } أي: لما سمعنا القرآن صدّقنا أنه من عند الله، { فَمَن يُؤْمِن بِرَبِّهِ فَلاَ يَخَافُ } أي: فهو لا يخاف، ولولا تقدير هذا المبتدأ لكان وجه الكلام: لا [تخف].

{ بَخْساً } نقصاناً من ثواب عمله، { وَلاَ رَهَقاً } ظلماً ومكروهاً يغشاه.

قوله تعالى: { وَمِنَّا ٱلْقَاسِطُونَ } أي: الجائرون الظالمون بالكفر. يقال: قَسَطَ: إذا جار، فهو قاسط. وأقسط: إذا عدل، فهو مُقسط.

{ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَـٰئِكَ تَحَرَّوْاْ رَشَداً } قال الفراء: أَمُّوا الهدى.

وقال غيرُه: تحرّوا: توخّوا وقصدوا الحق.

{ وَأَمَّا ٱلْقَاسِطُونَ فَكَانُواْ لِجَهَنَّمَ حَطَباً } أي: وقوداً للنار.

ويروى: أن الحجاج [قال] لسعيد بن جبير حين أراد قتله: ما تقول فيّ؟ قال: قاسط عادل، فقال القوم: ما أحسن ما قال، حسبوا أنه وصفه بالقسط والعدل، فقال الحجاج: يا جهلة، إنه سماني ظالماً مشركاً، وتلا لهم قوله تعالى: { وَأَمَّا ٱلْقَاسِطُونَ فَكَانُواْ لِجَهَنَّمَ حَطَباً } ، وقوله تعالى:ثْمَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ } [الأنعام: 1].

{ وَأَلَّوِ ٱسْتَقَامُواْ عَلَى ٱلطَّرِيقَةِ } قال صاحب الكشاف: " أنْ " مخففة من الثقيلة، فهو من جملة [الموحى. والمعنى]: وأوحي إليّ أن الشأن والحديث لو استقام الجن على الطريقة المثلى، أي: [لو] ثبت أبوهم الجانّ على ما كان عليه من عبادة الله والطاعة ولم يستكبر عن السجود لآدم ولم يكفر، وتبعه ولده على الإسلام، { لأسقيناهم ماء غدقاً }. ويجوز أن يكون معناه: وأن لو استقام الجن الذين استمعوا على طريقتهم التي كانوا عليها قبل الاستماع، ولم ينتقلوا عنها إلى الإسلام، لوسّعنا عليهم الرزق مستدرجِين لهم.

وقال مقاتل وجمهور المفسرين: هذا إخبار عن أهل مكة. المعنى: وأن لو استقاموا على طريقة الهدى.

وذهب قوم: إلى أن المراد بها: طريقة الكفر. وهو قول محمد بن كعب والربيع والفراء وابن قتيبة.

فعلى الأول يكون المعنى: لو آمنوا لوسّعنا عليهم { لِّنَفْتِنَهُمْ } لنختبرهم فننظر كيف شكرهم.

وعلى الثاني يكون المعنى: وأن لو استقاموا على طريقتهم في الكفر لوسّعنا عليهم لنوقعهم في الفتنة.

والماء الغَدَق: الكثير، وإنما ذُكر لأن عامة الخير والرزق [به].

وقيل: المعنى: لأكثرنا لهم الماء فأغرقناهم كقوم نوح.

وليس هذا القول بشيء.

قوله تعالى: { يَسْلُكْهُ } وقرأ أهل الكوفة: " يَسْلُكْهُ " بالياء { عَذَاباً } أي: في عذاب، إما بتقدير حذف الجار، وإما لكون " نسلكه " في معنى: ندخله { صَعَداً } شاقاً.

والمعنى: ذا صعود.

وجاء في التفسير: أنه جبل في النار يكلّف صعوده. وسنذكره إن شاء الله عند قوله:سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً } [المدثر: 17].