قوله تعالى: { وَأَنَّا ظَنَنَّآ } أي: أيقنا { أَن لَّن نُّعْجِزَ ٱللَّهَ فِي ٱلأَرْضِ } أي: لن نفوته طلباً إذا طلبنا، { وَلَن نُّعْجِزَهُ هَرَباً }. قال الزمخشري: قوله: " في الأرض " ، " هرباً ": حالان، أي: لن نعجزه كائنين في الأرض، ولن نعجزه هاربين منها إلى السماء. وهذه صفات أحوال الجن وما هم عليه من أحوالهم وعقائدهم. قوله تعالى: { وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا ٱلْهُدَىٰ آمَنَّا بِهِ } أي: لما سمعنا القرآن صدّقنا أنه من عند الله، { فَمَن يُؤْمِن بِرَبِّهِ فَلاَ يَخَافُ } أي: فهو لا يخاف، ولولا تقدير هذا المبتدأ لكان وجه الكلام: لا [تخف]. { بَخْساً } نقصاناً من ثواب عمله، { وَلاَ رَهَقاً } ظلماً ومكروهاً يغشاه. قوله تعالى: { وَمِنَّا ٱلْقَاسِطُونَ } أي: الجائرون الظالمون بالكفر. يقال: قَسَطَ: إذا جار، فهو قاسط. وأقسط: إذا عدل، فهو مُقسط. { فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَـٰئِكَ تَحَرَّوْاْ رَشَداً } قال الفراء: أَمُّوا الهدى. وقال غيرُه: تحرّوا: توخّوا وقصدوا الحق. { وَأَمَّا ٱلْقَاسِطُونَ فَكَانُواْ لِجَهَنَّمَ حَطَباً } أي: وقوداً للنار. ويروى: أن الحجاج [قال] لسعيد بن جبير حين أراد قتله: ما تقول فيّ؟ قال: قاسط عادل، فقال القوم: ما أحسن ما قال، حسبوا أنه وصفه بالقسط والعدل، فقال الحجاج: يا جهلة، إنه سماني ظالماً مشركاً، وتلا لهم قوله تعالى: { وَأَمَّا ٱلْقَاسِطُونَ فَكَانُواْ لِجَهَنَّمَ حَطَباً } ، وقوله تعالى:{ ثْمَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ } [الأنعام: 1]. { وَأَلَّوِ ٱسْتَقَامُواْ عَلَى ٱلطَّرِيقَةِ } قال صاحب الكشاف: " أنْ " مخففة من الثقيلة، فهو من جملة [الموحى. والمعنى]: وأوحي إليّ أن الشأن والحديث لو استقام الجن على الطريقة المثلى، أي: [لو] ثبت أبوهم الجانّ على ما كان عليه من عبادة الله والطاعة ولم يستكبر عن السجود لآدم ولم يكفر، وتبعه ولده على الإسلام، { لأسقيناهم ماء غدقاً }. ويجوز أن يكون معناه: وأن لو استقام الجن الذين استمعوا على طريقتهم التي كانوا عليها قبل الاستماع، ولم ينتقلوا عنها إلى الإسلام، لوسّعنا عليهم الرزق مستدرجِين لهم. وقال مقاتل وجمهور المفسرين: هذا إخبار عن أهل مكة. المعنى: وأن لو استقاموا على طريقة الهدى. وذهب قوم: إلى أن المراد بها: طريقة الكفر. وهو قول محمد بن كعب والربيع والفراء وابن قتيبة. فعلى الأول يكون المعنى: لو آمنوا لوسّعنا عليهم { لِّنَفْتِنَهُمْ } لنختبرهم فننظر كيف شكرهم. وعلى الثاني يكون المعنى: وأن لو استقاموا على طريقتهم في الكفر لوسّعنا عليهم لنوقعهم في الفتنة. والماء الغَدَق: الكثير، وإنما ذُكر لأن عامة الخير والرزق [به]. وقيل: المعنى: لأكثرنا لهم الماء فأغرقناهم كقوم نوح. وليس هذا القول بشيء. قوله تعالى: { يَسْلُكْهُ } وقرأ أهل الكوفة: " يَسْلُكْهُ " بالياء { عَذَاباً } أي: في عذاب، إما بتقدير حذف الجار، وإما لكون " نسلكه " في معنى: ندخله { صَعَداً } شاقاً. والمعنى: ذا صعود. وجاء في التفسير: أنه جبل في النار يكلّف صعوده. وسنذكره إن شاء الله عند قوله:{ سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً } [المدثر: 17].