الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّآ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىٰ قَوْمِهِ أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { قَالَ يٰقَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ } * { أَنِ ٱعبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ } * { يَغْفِرْ لَكُمْ مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى إِنَّ أَجَلَ ٱللَّهِ إِذَا جَآءَ لاَ يُؤَخَّرُ لَوْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } * { قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَاراً } * { فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَآئِيۤ إِلاَّ فِرَاراً } * { وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوۤاْ أَصَابِعَهُمْ فِيۤ آذَانِهِمْ وَٱسْتَغْشَوْاْ ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّواْ وَٱسْتَكْبَرُواْ ٱسْتِكْبَاراً } * { ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً } * { ثُمَّ إِنِّيۤ أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً } * { فَقُلْتُ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً } * { يُرْسِلِ ٱلسَّمَآءَ عَلَيْكُمْ مِّدْرَاراً } * { وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً } * { مَّا لَكُمْ لاَ تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً } * { وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً }

قوله تعالى: { أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ } " أنْ " مُفسِّرة؛ لأن الإرسال فيه معنى القول، فهي بمعنى: أي.

ويؤيده قراءة ابن مسعود: " أنذر قومك " بغير " أنْ ".

وإن شئت قلت: هي " أنْ " الناصبة للفعل، أصله: بأن أنذر قومك، فلما حذف الجار وصل الفعل، فنصب " أنْ " ، والتقدير: أرسلناه بأن قلنا له: أنذر.

وقوله تعالى: { أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ } [نوح: 3] مثل قوله: { أَنْ أَنذِرْ }.

{ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } قال ابن عباس: هو عذاب النار.

وقال الكلبي: هو الطوفان.

قوله تعالى: { يَغْفِرْ لَكُمْ مِّن ذُنُوبِكُمْ } قال مقاتل والسدي: " مِنْ " هاهنا صلة.

وقال الزجاج: دخلت " مِنْ "؛ لتخصيص الذنوب من سائر الأشياء، ولم تدخل لتبعيض الذنوب. ومثله:فَٱجْتَنِبُواْ ٱلرِّجْسَ مِنَ ٱلأَوْثَانِ } [الحج: 30].

وقال غيره من أهل المعاني: هي للتبعيض، على معنى: يغفر لكم ما سلف من ذنوبكم إلى وقت إيمانكم، وذلك بعض ذنوبهم.

{ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى } وهو أجَلُ موتهم، يريد: أنهم يُؤخَّرون إلى انقضاء آجالهم فيموتون بغير عقوبة.

{ إِنَّ أَجَلَ ٱللَّهِ إِذَا جَآءَ لاَ يُؤَخَّرُ } قال الحسن: هو أجل القيامة.

وقال مجاهد: أجل الموت.

وقال السدي: أجل العذاب.

وما بعده ظاهر إلى قوله: { جَعَلُوۤاْ أَصَابِعَهُمْ فِيۤ آذَانِهِمْ } فعلوا ذلك؛ لئلا [يسمعوا] صوته، { وَٱسْتَغْشَوْاْ ثِيَابَهُمْ } لئلا يروه { وَأَصَرُّواْ } على كفرهم { وَٱسْتَكْبَرُواْ } عن اتباعه { ٱسْتِكْبَاراً }.

{ ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً } وهو مصدر في موضع الحال، أي: دعوتهم مجاهراً لهم بالدعاء إلى التوحيد، أو صفة مصدر، تقديره: دعوتهم دعاء جهاراً.

قال ابن عباس: بأعلى صوتي.

{ ثُمَّ إِنِّيۤ أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً } أي: خلطتُ دعاءَ العلانية بدعاء السر.

قال بعض أهل المعاني: افتتح بالمناصحة في السر، فلمّا لم يقبلوا ثنّى بالمجاهرة، فلمّا لم يؤثر ثلّث بالجمع بين الإسرار والإعلان.

ومعنى: " ثم ": الدلالة على تباعد الأحوال.

{ فَقُلْتُ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً } أي: توبوا إليه من الكفر والمعاصي.

{ يُرْسِلِ ٱلسَّمَآءَ عَلَيْكُمْ مِّدْرَاراً } كثيرة الدَّرِّ. وقد ذكرناه في أول الأنعام.

قال الشعبي: خرج عمر بن الخطاب رضي الله عنه يستسقي، فلم يزد على الاستغفار حتى رجع، فقالوا له: ما رأيناك استسقيت؟ فقال: لقد طلبت الغيث بمجاديح السماء التي بها يُستنزل القطر، ثم قرأ: { فَقُلْتُ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ ٱلسَّمَآءَ عَلَيْكُمْ مِّدْرَاراً }.

وشكا رجل إلى الحسن الفقر، وآخر قلة ريع أرضه، وآخر الجدب، فأمرهم كلهم بالاستغفار، فقيل له في ذلك، فتلى هذه الآية.

قوله تعالى: { وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ } قال المفسرون: حَبَسَ اللهُ القطرَ عنهم، وقَطَعَ نسلَهم ونسلَ دوابهم أربعين سنة.

{ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً } بدل بساتينكم وأنهاركم، فإنها كانت قد هلكت [ويبست].

السابقالتالي
2