قوله تعالى: { أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ } " أنْ " مُفسِّرة؛ لأن الإرسال فيه معنى القول، فهي بمعنى: أي. ويؤيده قراءة ابن مسعود: " أنذر قومك " بغير " أنْ ". وإن شئت قلت: هي " أنْ " الناصبة للفعل، أصله: بأن أنذر قومك، فلما حذف الجار وصل الفعل، فنصب " أنْ " ، والتقدير: أرسلناه بأن قلنا له: أنذر. وقوله تعالى: { أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ } [نوح: 3] مثل قوله: { أَنْ أَنذِرْ }. { مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } قال ابن عباس: هو عذاب النار. وقال الكلبي: هو الطوفان. قوله تعالى: { يَغْفِرْ لَكُمْ مِّن ذُنُوبِكُمْ } قال مقاتل والسدي: " مِنْ " هاهنا صلة. وقال الزجاج: دخلت " مِنْ "؛ لتخصيص الذنوب من سائر الأشياء، ولم تدخل لتبعيض الذنوب. ومثله:{ فَٱجْتَنِبُواْ ٱلرِّجْسَ مِنَ ٱلأَوْثَانِ } [الحج: 30]. وقال غيره من أهل المعاني: هي للتبعيض، على معنى: يغفر لكم ما سلف من ذنوبكم إلى وقت إيمانكم، وذلك بعض ذنوبهم. { وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى } وهو أجَلُ موتهم، يريد: أنهم يُؤخَّرون إلى انقضاء آجالهم فيموتون بغير عقوبة. { إِنَّ أَجَلَ ٱللَّهِ إِذَا جَآءَ لاَ يُؤَخَّرُ } قال الحسن: هو أجل القيامة. وقال مجاهد: أجل الموت. وقال السدي: أجل العذاب. وما بعده ظاهر إلى قوله: { جَعَلُوۤاْ أَصَابِعَهُمْ فِيۤ آذَانِهِمْ } فعلوا ذلك؛ لئلا [يسمعوا] صوته، { وَٱسْتَغْشَوْاْ ثِيَابَهُمْ } لئلا يروه { وَأَصَرُّواْ } على كفرهم { وَٱسْتَكْبَرُواْ } عن اتباعه { ٱسْتِكْبَاراً }. { ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَاراً } وهو مصدر في موضع الحال، أي: دعوتهم مجاهراً لهم بالدعاء إلى التوحيد، أو صفة مصدر، تقديره: دعوتهم دعاء جهاراً. قال ابن عباس: بأعلى صوتي. { ثُمَّ إِنِّيۤ أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَاراً } أي: خلطتُ دعاءَ العلانية بدعاء السر. قال بعض أهل المعاني: افتتح بالمناصحة في السر، فلمّا لم يقبلوا ثنّى بالمجاهرة، فلمّا لم يؤثر ثلّث بالجمع بين الإسرار والإعلان. ومعنى: " ثم ": الدلالة على تباعد الأحوال. { فَقُلْتُ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً } أي: توبوا إليه من الكفر والمعاصي. { يُرْسِلِ ٱلسَّمَآءَ عَلَيْكُمْ مِّدْرَاراً } كثيرة الدَّرِّ. وقد ذكرناه في أول الأنعام. قال الشعبي: خرج عمر بن الخطاب رضي الله عنه يستسقي، فلم يزد على الاستغفار حتى رجع، فقالوا له: ما رأيناك استسقيت؟ فقال: لقد طلبت الغيث بمجاديح السماء التي بها يُستنزل القطر، ثم قرأ: { فَقُلْتُ ٱسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ ٱلسَّمَآءَ عَلَيْكُمْ مِّدْرَاراً }. وشكا رجل إلى الحسن الفقر، وآخر قلة ريع أرضه، وآخر الجدب، فأمرهم كلهم بالاستغفار، فقيل له في ذلك، فتلى هذه الآية. قوله تعالى: { وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ } قال المفسرون: حَبَسَ اللهُ القطرَ عنهم، وقَطَعَ نسلَهم ونسلَ دوابهم أربعين سنة. { وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً } بدل بساتينكم وأنهاركم، فإنها كانت قد هلكت [ويبست].