الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُواْ قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ } * { عَنِ ٱلْيَمِينِ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ عِزِينَ } * { أَيَطْمَعُ كُلُّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ أَن يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ } * { كَلاَّ إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّمَّا يَعْلَمُونَ } * { فَلآ أُقْسِمُ بِرَبِّ ٱلْمَشَٰرِقِ وَٱلْمَغَٰرِبِ إِنَّا لَقَٰدِرُونَ } * { عَلَىٰ أَن نُّبَدِّلَ خَيْراً مِّنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ } * { فَذَرْهُمْ يَخُوضُواْ وَيَلْعَبُواْ حَتَّىٰ يُلَٰقُواْ يَوْمَهُمُ ٱلَّذِي يُوعَدُونَ } * { يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ ٱلأَجْدَاثِ سِرَاعاً كَأَنَّهُمْ إِلَىٰ نُصُبٍ يُوفِضُونَ } * { خَٰشِعَةً أَبْصَٰرُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ ٱلْيَوْمُ ٱلَّذِي كَانُواْ يُوعَدُونَ }

قوله تعالى: { فَمَالِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ } نزلت في جماعة من الكفار جلسوا حول النبي صلى الله عليه وسلم يستهزؤون بالقرآن والمؤمنين ويقولون: إن دخل هؤلاء الجنة كما يقول محمد [لندخلنها] قبلهم.

والمعنى: ما لهم مسرعين نحوك، مادّي أعناقهم إليك، مقبلين بأبصارهم عليك.

وقد ذكرنا معنى الإهطاع في إبراهيم.

{ عَنِ ٱلْيَمِينِ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ عِزِينَ } [جمع: عزة، يريد: جماعات] في تفرقة. كأنّ كل فرقة [تعتزي] إلى غير من تعتزي إليه الأخرى.

وفي الحديث: " أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه يوماً وهم حلق حلق متفرقون، فقال: ما لي أراكم عزين؟ ".

فإن قيل: ما إعراب هاتين الآيتين؟

قلتُ: [ما] رُفِعَ بالابتداء، واللام خبره، وفيه ضميره، " قِبَلك ": حال من الواو في " كفروا " ، " مهطعين " حال بعد حال، وكذلك " عزين " ، والتقدير: عزين عن اليمين وعن الشمال. ومن رأى وصف الحال كان " عزين " صفة لـ " مهطعين ". ويجوز أن يكون " عزين " حالاً من الضمير في " مهطعين ". ويجوز أن يكون " مهطعين " حالاً من الضمير في " قبلك ". ويجوز في " قبلك " أن يكون ظرفاً [للام]، أو لـ " مهطعين ". ويجوز أن يتعلق " عن اليمين " بمضمر أيضاً في موضع الحال، أو صفة لـ " مهطعين ". ويجوز أن يكون صلة لـ " عزين ".

قوله تعالى: { كَلاَّ } ردعٌ لهم عن طمعهم في دخولهم الجنة، وإعلامٌ لهم أنهم لا يدخلونها.

ثم ابتدأ فقال: { إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّمَّا يَعْلَمُونَ } أي: من نطفة، ثم من علقة، ثم من مضغة. يشير بذلك إلى أنهم من أصل واحد، ومادة واحدة، وأنه لا فضل لأحد على أحد إلا بالإيمان والتقوى، فكيف يتعظّمون على المؤمنين ويعتقدون أنهم أولى بالجنة منهم لشرفهم.

قال قتادة في هذه الآية: إنما خُلقت يا ابن آدم من قذر، فاتَّق الله تعالى.

وفي الحديث: " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية ثم بزق على كفه ثم قال: يا ابن آدم! أنّى تعجزني وقد خلقتك من مثل هذه، حتى إذا سويتك وعدّلتك مشيت بين بُرْدَين، وللأرض منك وئيد، فجمعت ومنعت، حتى إذا بلغت التراقي قلت: أتصَدَّقُ، وأنّى أوان الصدقة؟! ".

وقيل: المعنى: إنا خلقناهم مما يعلمون، أي: من أجل ما يعلمون، وهو الطاعة، على حذف المضاف. المعنى: فما عملوا بها فلا يدخلون الجنة.

فإن قيل: هؤلاء كفارٌ فمن أين عَلِمُوا أنهم خُلقوا للطاعة؟

قلتُ: عَلِمُوا ذلك من براهين العقل، وأدلة السمع الواردة على ألْسِنَة الرسل صلى الله عليهم.

السابقالتالي
2