الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَقَالَ ٱلْمَلأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَئِنِ ٱتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَّخَاسِرُونَ } * { فَأَخَذَتْهُمُ ٱلرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ } * { ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْباً كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْباً كَانُواْ هُمُ ٱلْخَاسِرِينَ } * { فَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يٰقَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَـٰلَـٰتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ ءَاسَىٰ عَلَىٰ قَوْمٍ كَٰفِرِينَ } * { وَمَآ أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِٱلْبَأْسَآءِ وَٱلضَّرَّآءِ لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُونَ } * { ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ ٱلسَّيِّئَةِ ٱلْحَسَنَةَ حَتَّىٰ عَفَوْاْ وَّقَالُواْ قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا ٱلضَّرَّآءُ وَٱلسَّرَّآءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ }

قوله تعالى: { وَقَالَ ٱلْمَلأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَئِنِ ٱتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً } هذه لام القسم.

وقوله: { إِنَّكُمْ إِذاً لَّخَاسِرُونَ } سدّ مسدّه جوابي الشرط والقسم.

قال ابن عباس: إنكم إذاً لمغبونون.

وقال عطاء: جاهلون.

والمعنى متقارب؛ لأنهم باستبدال الضلالة بالهدى مغبونون جاهلون.

{ فَأَخَذَتْهُمُ ٱلرَّجْفَةُ } قد ذكرنا معناها في قصة صالح.

وقال ابن عباس وغيره: فتح الله تعالى عليهم باباً من أبواب جهنم، فأرسل عليهم ريحاً ومِدَّة وحراً شديداً فأخذ أنفاسهم، فدخلوا أجواف البيوت فدخل عليهم البيوت، فلم ينفعهم ظل ولا ماء، وأنضجهم الحر، فبعث الله سبحانه وتعالى سحابة فيها ريح طيبة، فوجدوا برد الريح وطيبها وظل السحابة، فتنادوا: عليكم بها، فخرجوا إلى البرية، فلما اجتمعوا تحت السحابة رجالهم ونساؤهم وصبيانهم ألهبها الله تعالى عليهم، ورجفت بهم الأرض، فاحترقوا كما يحترق الجراد المقلي، وصاروا رماداً، وهو عذاب يوم الظلة، فذلك قوله تعالى:فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ } [هود: 94].

قال أبو العالية: في منازلهم.

قال ابن إسحاق: بلغني أن رجلاً من أهل مدين يقال له: عمرو بن جلها، لما رأى الظلة فيها العذاب قال شعراً:
يَا قَوْمِ إِنَّ شُعَيْباً مُرْسَلٌ فَدَعُوا عَنْكُمْ   سَمِيراً وعِمْرانَ بْنَ شَدَّادِ
إِنِّي أَرَى غَيْثَةً يَا قَوْمِ قَدْ طَلَعَتْ   تَدْعُو بِصَوْتٍ عَلى صِمَّانَةِ الوادي
وَإِنَّهُ لَمْ يَرَوْا فِيها صِحَاءَ غَدٍ   إِلاَّ الرَّقِيمَ يَمْشي بَيْنَ أَنْجادِ
وسَمِير وعِمْران: كاهنان، والرقيم: كلب لهم.

وقال أبو عبدالله [البجلي]: أبو جاد، وهَوَّز، وحُطِّي، وكَلَمُن، وصعْفَص، وقرشت، أسماء ملوك مدين، وكان ملكهم يوم الظلة: كَلَمُن، فقالت أخت كلمن تبكيه:
كَلَمُن هَدَّ رُكْني   [هَلْكُهُ] وَسْطَ الْمَحَلَّهْ
سَيِّدُ الْقَوْمِ أَتَاهُ   الحَتْفُ نار وَسْطَ ظُلَّهْ
جَعَلَتْ نَارٌ عَلَيْهِمْ   دَارُهُمْ كَالْمُضْمَحِلَّهْ
قوله تعالى: { ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْباً } مبتدأ، خبره: { كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا }.

قال الأصمعي والزجاج وغيرهما: المغاني: المنازل، يقال: غَنينا بمكان كذا، أي: نزلناه. فالمعنى: كأن لم يقيموا بها ولم يسكنوا فيها.

وقال ابن عباس: كأن لم يعيشوا في ديارهم.

قال الزجاج: يجوز أن يكون المعنى: كأن لم يعيشوا فيها مستغنين، كما قال حاتم طيء:
غَنِينا زَمَاناً بالتَّصَعْلُكِ والغِنَى   فَكُلاًّ سَقاناهُ بكَأْسَيْهِمَا الدَّهْرُ
فَمَا زَادَنَا بَغْياً عَلى ذِي قَرَابَةٍ   غِنانا وَلا أَزْرَى بأَحْسابنَا الفَقْرُ
قال: معنى غنينا: عشنا زماناً بالتصعلك، وهو الفقر، والعرب تقول للفقير: صُعْلُوك.

ثم استأنف الله تعالى ذكر شعيب وكرره، ولم يُكَنِّ عنه مبالغة في تفخيمه وتعظيمه وتضليل مكذّبيه فقال: { ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ شُعَيْباً كَانُواْ هُمُ ٱلْخَاسِرِينَ } أي: المخصوصين بالخسران العظيم.

قوله تعالى: { فَكَيْفَ ءَاسَىٰ عَلَىٰ قَوْمٍ كَٰفِرِينَ } الأسى: شدة الحزن.

قال العَجَّاج:
وانْحَلَبَتْ عَيْنَاهُ منْ فَرْطِ الأسَى   
قال الزجاج: نقول: أسِيتُ على الشيء آسَى أسىً؛ إذا اشتد حزنُك عليه.

قال ابن إسحاق: أصاب شعيباً على قومه حزن شديد، ثم عاتب نفسه فقال: { فَكَيْفَ ءَاسَىٰ عَلَىٰ قَوْمٍ كَٰفِرِينَ }.

السابقالتالي
2