الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَاقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَآءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَوْفُواْ ٱلْكَيْلَ وَٱلْمِيزَانَ وَلاَ تَبْخَسُواْ ٱلنَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ذٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ } * { وَلاَ تَقْعُدُواْ بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجاً وَٱذْكُرُوۤاْ إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ وَٱنْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُفْسِدِينَ } * { وَإِن كَانَ طَآئِفَةٌ مِّنكُمْ آمَنُواْ بِٱلَّذِيۤ أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَآئِفَةٌ لَّمْ يْؤْمِنُواْ فَٱصْبِرُواْ حَتَّىٰ يَحْكُمَ ٱللَّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ ٱلْحَاكِمِينَ }

قوله تعالى: { وَإِلَىٰ مَدْيَنَ } أي: وأرسلنا إلى مدين { أَخَاهُمْ شُعَيْباً } أكثر العلماء بالنسب يقولون: إنه شعيب بن عيفاء بن يوبب بن مدين بن إبراهيم، ويقال: إنه ابن بنت لوط.

قال سعيد بن جبير: كان شعيب عليه الصلاة والسلام رجلاً أعمى.

وقال أبو روق: لم يبعث الله نبياً أعمى ولا به زمانة.

قال أبو الحسين بن المنادي: وهذا القول أَلْيط بالقلوب من قول سعيد.

قلت: والجمع بين القولين ممكن، بأن يكون عمي في آخر عمره، كما عمي يعقوب عليه السلام. وكان عليه السلام يسمى خطيب الأنبياء؛ لحسن مراجعته قومه.

قال قتادة وغيره: وابتعثه الله إلى أُمّتين؛ إلى مدين - وهو ابن عشرين سنة - فعتوا وكفروا به فأخذهم عذاب يوم الظلة. - وقال قتادة: أخذتهم الصيحة والرجفة - وإلى أصحاب الأيكة، فمكث فيهم باقي عمره فكفروا به، فسلّط الله عليهم الحر سبعة أيام، ثم بعث الله عليهم ناراً فأكلتهم، فذلك عذاب يوم الظلة، فتكون الأمّتان - على قول قتادة - قد اتفقتا في التعذيب.

واختلفوا في مدين؛ فقال قتادة: ماء كان عليه قوم شعيب.

وقال مقاتل: هو ابن إبراهيم الخليل لصلبه.

فعلى هذا هو اسم أعجمي، وإن كان عربياً فالياء فيه زائدة، من قولك: مَدَنَ بالمكان؛ إذا أقام به.

قال الزجاج: و " مدين " لا ينصرف؛ لأنه اسم للقبيلة أو للبلدة. وجائز أن يكون أعجمياً.

{ قَدْ جَآءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ } قال الفراء: لم تكن له آية إلا النبوة. وليس هذا القول بشيء؛ لأنه يستلزم إيجاب التصديق والانقياد إلى دعوى النبوة من غير بينة أو شاهد بصحة الدعوى.

ولأن ذلك يفضي إلى التباس الحق بالباطل.

ولأنه يفضي إلى محال، وما يفضي إلى المحال محال.

فبيان أنه يفضي إلى المحال: أنا لو فرضنا وجود شخصين كل واحد منهما يدعي النبوة، ويشهد بكذب الآخر، من غير أن يكون لكل واحدٍ منهما بينة، فلا يخلو إما أن يجب تصديقهما، أو تكذيبهما، أو تصديق أحدهما دون الآخر. الأول ممتنع؛ لأنه يلزم من تكذيبهما تصديقهما، الثالث ممتنع أيضاً؛ لأنه ترجيح من غير مرجح، ولأن لفظ البينة يشعر بالمعجزة.

قوله تعالى: { فَأَوْفُواْ ٱلْكَيْلَ وَٱلْمِيزَانَ } أي: آلة الكيل، أو سمي ما يكال به: بالكيل؛ كالعيش: اسم لما يُعاش به، وكانت عادتهم التطفيف في المكيال والميزان، فأُمروا بإيفاء الكيل والميزان ونُهوا عن البخس فقال: { وَلاَ تَبْخَسُواْ ٱلنَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ }. يقال: بَخَسَهُ حَقَّه؛ إذا انتقصه.

وقيل: كانوا مكّاسين، فنهوا عن ذلك بقوله: { وَلاَ تَبْخَسُواْ ٱلنَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ }.

{ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ } بالكفر والجور والمعاصي، { بَعْدَ إِصْلاَحِهَا } أي: بعدما أصلح فيها الأنبياء وأتباعهم القائمون مقامهم بإحياء العدل، وإماتة الجَوْر، ونشر ألوية الشرع.

السابقالتالي
2