الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ ٱلْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن ٱلْعَالَمِينَ } * { إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ ٱلرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ ٱلنِّسَآءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ } * { وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُوۤاْ أَخْرِجُوهُمْ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ } * { فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ ٱمْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ ٱلْغَابِرِينَ } * { وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَّطَراً فَٱنْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُجْرِمِينَ }

قوله تعالى: { وَلُوطاً } أي: وأرسلنا لوطاً، أي: واذكر لوطاً.

قال بعض أهل اللغة: هو مشتق من لطتُ الحوضَ؛ إذا مَلَّسته بالطين.

قال الزجاج: وهذا غلط؛ لأن لوطاً من الأسماء الأعجمية ليس من العربية. فأما لطت الحوض، وهذا ألوط بقلبي من هذا، فمعناه: ألصق بقلبي، واللِّيط: القشر، فهذا صحيح في اللغة، ولكن الاسم أعجمي؛ كإبراهيم وإسحاق، لا تقول إنه مشتق من السُّحْق وهو البعد، وهو كتاب الله الذي لا ينبغي أن يقدم على تأويله إلا برواية صحيحة أو حجة واضحة.

وقد ذكرنا في آل عمران أيضاً: أن نوحاً سمي بذلك؛ لنَوْحه، والظاهر أنهما اسمان أعجميان، ولزمهما الصرف مع العجمة والتعريف لخفتهما، وهو: لوط بن هاران -ويقال: هازان، بالزاي المعجمة- بن تارح، والد إبراهيم عليه السلام، وقد ذكرنا نسبه في الأنعام.

{ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ } " إذ " ظرف لـ " أرسلنا " ، أو بدل من " واذكر " ، أي: واذكر وقت قال لوط لقومه. { أَتَأْتُونَ ٱلْفَاحِشَةَ } أتفعلون السيئة القبيحة، وهي إتيان الرجال في الأدبار.

قال مجاهد: كان بعضهم يجامع بعضاً في المجلس.

{ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن ٱلْعَالَمِينَ } قال عمرو بن دينار: ما نزا ذكر على ذكر في الدنيا حتى كان قوم لوط.

و " مِنْ " في قوله: { مِنْ أَحَدٍ } زائدة لتوكيد النفي وزيادة معنى الاستغراق، والتي تليها للتبعيض.

{ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ ٱلرِّجَالَ } بيان لقوله: { أَتَأْتُونَ ٱلْفَاحِشَةَ } ، والهمزة فيهما للإنكار والتوبيخ العظيم.

وقرأ نافع وحفص: " إنكم لتأتون " على لفظ الخبر.

{ شَهْوَةً مِّن دُونِ ٱلنِّسَآءِ } مفعول له، أي: للاشتهاء فقط، لا حامل لكم على ذلك سوى مجرد الشهوة وميل الطبع، وهذا غاية ما يكون من الذم، حيث جُعلوا كالبهائم المنقادة مع الشهوة، لا يزجرها عقل، ولا يحملها على الفعل طلب مصلحة، ولا خوف مفسدة.

ويجوز أن يكون " شهوةً " نصباً على الحال، بمعنى: مشتهين تابعين للشهوة.

{ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ } إضراب عن الإنكار إلى الإخبار عنهم بما هم عليه من الإسراف في ارتكاب القبائح، وانتهاك المحارم، وتجاوز الحدود.

{ وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ } حين زجرهم عن هذه الفاحشة الشنيعة ووبخهم على فعلها، { إِلاَّ أَن قَالُوۤاْ } ضجراً وتهوراً { أَخْرِجُوهُمْ } يعنون: لوطاً وأتباعه، { مِّن قَرْيَتِكُمْ } سَدُوم { إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ } أي: يتنزهون عن إتيان الرجال، قالوا ذلك استهزاءً وسخرية بلوط وأصحابه.

{ فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ } يريد: أهل دينه. وقيل: ابنتيه، واسم الكبرى: رمثا، والصغرى: زعرثا.

وقيل: الكبرى: رية، والصغرى: عروبة.

{ إِلاَّ ٱمْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ ٱلْغَابِرِينَ } الباقين في العذاب، أو من الذين غبروا في ديارهم، أي: بقوا فهلكوا. وإنما قال: " الغابرين " ولم يقل " الغابرات "؛ تغليباً لمن هلك معها من الذكور، والفعل منه: غَبَرَ يَغْبُرُ غُبوراً.

قال الشاعر:
وأبي الذي فَتَحَ البلادَ بسيْفِهِ   فأذَلَّها لبَنِي أبَانَ الغَابرِ
يريد: الباقي.

وقال أبو ذؤيب الهذلي:
فَغَبَرْتُ بَعْدَهُم بعَيْشٍ ناصِبٍ   وإِخَالُ أَنِّي لاحِقٌ مُسْتَتْبعُ
{ وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَّطَراً } يريد: الحجارة التي أرسلت عليهم.

قال مجاهد: نزل جبريل فأدخل جناحه تحت مدائن قوم لوط ورفعها ثم قلبها، فجعل أعلاها أسفلها، ثم أتبعوا الحجارة. وسنذكر إن شاء الله تعالى قصتهم مستوفاة بكمالها في موضعها من سورة هود.