الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَاقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَآءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ هَـٰذِهِ نَاقَةُ ٱللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِيۤ أَرْضِ ٱللَّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوۤءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { وَٱذْكُرُوۤاْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَآءَ مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ ٱلْجِبَالَ بُيُوتاً فَٱذْكُرُوۤاْ آلآءَ ٱللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي ٱلأَرْضِ مُفْسِدِينَ } * { قَالَ ٱلْمَلأُ ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لِلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحاً مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ قَالُوۤاْ إِنَّا بِمَآ أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ } * { قَالَ ٱلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُوۤاْ إِنَّا بِٱلَّذِيۤ آمَنتُمْ بِهِ كَافِرُونَ } * { فَعَقَرُواْ ٱلنَّاقَةَ وَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُواْ يَاصَالِحُ ٱئْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } * { فَأَخَذَتْهُمُ ٱلرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ } * { فَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَٰقَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ ٱلنَّٰصِحِينَ }

قوله تعالى: { وَإِلَىٰ ثَمُودَ } أي: وأرسلنا إلى ثمود، { أَخَاهُمْ صَالِحاً } ، وثمود هاهنا: القبيلة، ولذلك لم يصرفه؛ لأنه اجتمع فيه سببان؛ وهما: التعريف والتأنيث.

وقرأ يحيى بن وثاب: " ثمودٍ " بالجر والتنوين، يريد: وإلى بني ثمود. أو يريد الحي، وهو أجود، وكانوا يسكنون الحِجْر [إلى] وادي القرى بين الحجاز والشام.

وصالح هو: ابن عبيد بن [آسف] بن ماسح بن عبيد بن حاذر بن حائر - ويقال: جاثر، بالثاء المثلثة- بن ثمود بن عابر بن إرم بن سام بن نوح.

وقيل: سميت ثمود؛ لقلة مائها، من الثَّمْد، وهو الماء القليل، وهم من العرب العاربة.

{ قَدْ جَآءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ } أي: علامة ظاهرة شاهدة بصدقي ونبوتي، فكأنه قيل له: ما هذه البينة؟ فقال: { هَـٰذِهِ نَاقَةُ ٱللَّهِ لَكُمْ آيَةً } أضيفت الناقة إلى الله إضافة تكريم وتشريف؛ تفخيماً لشأنها وتعظيماً لأمرها، ولكونها جاءت من عنده تبارك وتعالى من غير فحل وطروقه.

و " آية " نصب على الحال، والعامل في الحال: ما دل عليه اسم الإشارة من معنى الفعل، كأنه قيل: أشير إليها آية.

فإن قيل: هي آية لهم ولغيرهم، فلم قال: { لَكُمْ آيَةً }؟

قلت: المعنى لكم ولسائر الناس آية، غير أنه غلّب المخاطبون، لأنهم هم المقصودون بتكوينها، وهم الذين [اقترحوها].

وكان من حديثها قصة هلاكهم على ما نقله أهل العلم بالتواريخ والسير؛ كابن إسحاق، والسدي، ووهب، وغيرهم: أنه لما أهلكت عاد وتقَضَّى أمرها، استخلف الله ثمود في الأرض، وأطال أعمارهم، وأمدّ لهم بالأموال والبنين، وكان أحدهم يبني السكن من المدر فينهدم، وهو حي مراراً، فلما طال ذلك عليهم اتخذوا من الجبال بيوتاً، فجابوها ونحتوها وسكنوها، وكانوا في سعة من معايشهم، فعتوا على الله وأفسدوا في الأرض، وكفروا نعمة الله، وعبدوا الأصنام، فبعث الله إليهم صالحاً عليه السلام شاباً، فدعاهم إلى التوحيد، وحذّرهم وأنذرهم، حتى كبر وشَمِط، فلم يتبعه إلا قليل، وتمادوا في غيّهم، واقترحوا عليه أن يخرج معهم في يوم عيد لهم، وكانوا يخرجون فيه أصنامهم، وقالوا: ندعوا آلهتنا وتدعو إلهك، فإن استجيب لنا اتبعتنا، وإن استجيب لك اتبعناك. فقال لهم صالح: نعم، فخرجوا في ذلك اليوم وخرج صالح عليه السلام، فدعوا أوثانهم وسألوها الاستجابة، فلم تجبهم إلى شيء، فاقترح جندع بن عمرو -وكان سيد قومه- على صالح أن يسأل ربه أن يخرج لهم من الكاثبة -وهي صخرة معروفة عندهم في ناحية الحِجْر- ناقة مخترجة جوفاء وبراء عشراء، -والمخترجة: المشاكلة للبخت-، فأخذ صالح عليهم الميثاق إن فعل ليصدّقن، قالوا: نعم. فصلّى صالح ودعا ربه، فتمخضت الصخرة تمخض الحامل بولدها، فانصدعت عن ناقة عشراء جوفاء وبراء كما وصفوا، لا يعلم ما بين جنبيها إلا الله، وهم ينظرون، ثم نتجت فصيلاً يناسبها في العِظَم، فآمن به جندع ورهطه، وأراد أشراف ثمود أن يؤمنوا به ويصدقوه، فنهاهم ذؤاب بن عمرو بن لبيد، والحباب صاحب أوثانهم، ورباب -وكانوا من أشراف ثمود-، وكان لجندع بن عمرو ابن عم يقال له: شهاب بن خليفة، فأراد أن يسلم، فنهاه أولئك الرهط، فأطاعهم، فقال رجل من ثمود:

السابقالتالي
2 3 4 5