الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَاقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ } * { قَالَ ٱلْمَلأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ ٱلْكَاذِبِينَ } * { قَالَ يَٰقَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَٰكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ ٱلْعَٰلَمِينَ } * { أُبَلِّغُكُمْ رِسَٰلٰتِ رَبِّي وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ } * { أَوَ عَجِبْتُمْ أَن جَآءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنكُمْ لِيُنذِرَكُمْ وَٱذكُرُوۤاْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَآءَ مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي ٱلْخَلْقِ بَصْطَةً فَٱذْكُرُوۤاْ ءَالآءَ ٱللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } * { قَالُوۤاْ أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ ٱللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ } * { قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَٰدِلُونَنِي فِيۤ أَسْمَآءٍ سَمَّيْتُمُوهَآ أَنْتُمْ وَآبَآؤكُمُ مَّا نَزَّلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ فَٱنْتَظِرُوۤاْ إِنِّي مَعَكُمْ مِّنَ ٱلْمُنْتَظِرِينَ } * { فَأَنجَيْنَاهُ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُواْ مُؤْمِنِينَ }

قوله تعالى: { وَإِلَىٰ عَادٍ } أي: وأرسلنا إلى أولاد عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح، وكانوا بالشِّحْر، بوادٍ يقال له: مغيث، من أرض اليمن، فتجبّروا وعتوا وعبدوا الأوثان، فأرسل الله إليهم هود بن عبدالله بن رياح بن الخلود -بفتح الخاء المعجمة، ويروى بضمها، ويروى بالجيم المكسورة وبفتح اللام- بن عاد بن عوص بن إرم. ومن العلماء بالنسب من يقول: هو هود بن عابر بن شالخ بن أرفخشد بن سام.

قوله تعالى: { أَخَاهُمْ هُوداً } يريد: أخاهم في النسب. وقوله: " هوداً " عطف بيان.

{ قَالَ يَاقَوْمِ } إنما حذف العاطف هاهنا ولم يقل: " فقال يا قوم " كقصة نوح؛ لأنه على تقدير سؤال سائل قال: فما قال لهم هود؟ فقيل: { قَالَ يَاقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ } ، { أَفَلاَ تَتَّقُونَ } أي: تخافون وتخشون بطش الله وانتقامه، وأن ينزل بكم من العذاب ما نزل بقوم نوح.

{ قَالَ ٱلْمَلأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ } إن قيل: لم وصف الملأ هاهنا بالكفر، ولم يصف ملأ قوم نوح به؟

قلت: عنه جوابان:

أحدهما: أنه خصَّهم بالوصف بالكفر ذمّاً لهم؛ لفرط عتوهم وشدة تجبّرهم وإصرارهم على كفرهم، مع أنهم قد علموا سُنَّةَ الله في المكذّبين قبلهم، وهم قوم نوح، فكانوا أجدر منهم بالتقوى، لعلمهم بما لم يعلموه واقعاً من عذاب المكذبين.

الثاني: أن الملأ من قوم نوح كانوا كلهم كفاراً لم يؤمن منهم أحد، بخلاف الملأ من قوم عاد فإنه آمن منهم مرثد بن سعد، فوصفهم بالكفر ليخرج المؤمنون منهم.

قوله تعالى: { إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ } أي: في جهلٍ وخفةِ حلم، نسبوه إلى ذلك حيث فارق دينهم، { وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ ٱلْكَاذِبِينَ } في قولك: " ما لكم من إله غيره " ، وفي نزول العذاب بنا.

{ قَالَ يَٰقَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ } هذا من أحسن الآداب وألطف الأخلاق، فإنه -عليه السلام- لحلمه الراجح وحسن احتماله وجميل عشرته، لم يزدهم على نفي ما نسبوه إليه. وفي قصصه علينا إشارة إلينا بالاقتداء بأخلاق الأنبياء، والإغضاء عن مقابلة السفهاء، واسأل نيل العفو على ما عساه يصدر من جاهل يريد إنقاذه من هلكة وقع فيها.

{ وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ } فيما أدعوكم إليه، أمين عليه.

وقال الكلبي: كنت فيكم قبل النبوة أميناً.

ثم ذكّرهم بنعم الله عليهم تصريحاً، وحذّرهم من انتقامه منه تلويحاً، فقال: { وَٱذكُرُوۤاْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَآءَ مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ } يعني: استخلفكم في الأرض من بعدهم. وخلفاء: جمع خليفة، على التذكير لا على اللفظ، مثل: طريف وطرفاء. وجائز أن يكون جمع خلائف على اللفظ، مثل: طريفة وطرائف، و " إذ " مفعول به لا ظرف.

السابقالتالي
2 3 4