الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَآءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتاً أَوْ هُمْ قَآئِلُونَ } * { فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَآءَهُمْ بَأْسُنَآ إِلاَّ أَن قَالُوۤاْ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ } * { فَلَنَسْأَلَنَّ ٱلَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ ٱلْمُرْسَلِينَ } * { فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَآئِبِينَ }

قوله تعالى: { وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا } ، قال الزجاج: المعنى: كم من أهل قرية، إلا أن [أهل] حذفت؛ لأن في الكلام دليلاً عليه.

وقوله: { فَجَآءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتاً } محمولٌ على لفظ القرية.

قال الزمخشري: إنما يقدر المضاف للحاجة ولا حاجة، فإن القرية تهلك كما يهلك أهلها، وإنما قدرناه قبل الضمير في " فجاءها " لقوله: { أَوْ هُمْ قَآئِلُونَ }.

و " بياتاً " مصدر واقع موقع الحال، يعني: بائتين. يقال: بات بياتاً حسناً وبيتةً حسنة.

وقوله: " هم قائلون " حال معطوفة على " بياتاً " ، كأنه قيل: فجاءهم بأسنا بائتين أو قائلين.

والبيتوتة بالليل، والقَيْلُولة: الاستراحة نصف النهار من اشتداد الحر وإن لم يكن معها نوم. والمعنى: جاءهم عذابنا غير متوقعين له في وقت الدّعة والغفلة؛ إما ليلاً؛ كقوم لوط، وإما نهاراً؛ كقوم شعيب.

فإن قيل: نظمُ الآية يدل على تقدم الهلاك على البأس، وهو العكس؟

قلت: المراد: أردنا إهلاكها؛ كقوله:إِذَا قُمْتُمْ إِلَى ٱلصَّلٰوةِ فٱغْسِلُواْ } [المائدة: 6]، وقوله:فَإِذَا قَرَأْتَ ٱلْقُرْآنَ فَٱسْتَعِذْ } [النحل: 98].

وقال الفراء: وقع الإهلاك والبأس معاً، كما تقول: أعطيتني فأحسنت إليّ.

وذكر ابن الأنباري عن ذلك جوابين:

أحدهما: أن الكون مضمر في الآية، تقديره: أهلكناها وكان بأسنا قد جاءها، كما أضمر في قوله:وَٱتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ ٱلشَّيَـٰطِينُ } [البقرة: 102] أي: ما كانت تتلوه.

الثاني: أن في الآية تقديماً وتأخيراً، تقديره: وكم من قرية جاءها بأسنا [بياتاً] أو هم قائلون فأهلكناها، كقوله:إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ } [آل عمران: 55].

والأول هو الجواب الذي ينبغي أن يُعتمد عليه.

فإن قيل: لا يقال: جاءني زيد هو فارس، بغير واو، فكيف قال: " أو هم قائلون "؟

قلت: قال الفراء: الواو مضمرة، تقديره: أو وهم قائلون، فاستثقلوا نَسَقاً على نسق.

وردّ هذا القول الزجاج فقال: لو قلتَ: جاءني زيدٌ راجلاً أو هو فارس، أو جاءني زيد هو فارس، لم تحتج فيه إلى واو؛ لأن الذكر قد عاد [إلى] الأول.

قال الزمخشري: والصحيح أنها إذا عطفت على حال قبلها حذفت الواو استثقالاً؛ لاجتماع حرفي عطف؛ لأن واو الحال هي واو العطف استعيرت للوصل، فقولك: جاءني زيد راجلاً أو هو فارس، كلام فصيح وارد على حده، وقولك: جاءني زيد هو فارس فخبيث.

قوله تعالى: { فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ } أي: تضرعهم ودعاهم ودعاؤهم.

حكى سيبويه: اللهم أشركنا في صالح دعوى المسلمين، أي: دعائهم، وأنشد على ذلك:
..........................   وَلَّت ودَعْواها كثيرٌ صَخَبُه
وأنشد ابن الأنباري:
إذا مَذِلَتْ رِجْلي دَعوتُكِ أَشْتفي   بدَعْواكِ مِنْ مَذْلٍ بها فيَهُون
وقيل: المعنى: فما كان استغاثتهم، كقوله:
..........................   دَعَوا: يا لكَعْبٍ واعْتَزَيْنا لعامر
وقال الزجاج: المعنى -والله أعلم-: أنهم لم يحصلوا مما كانوا ينتحلونه من المذهب والدّين ويدعونه إلا على الاعتراف بأنهم كانوا ظالمين.

السابقالتالي
2