قوله تعالى: { وَهُوَ ٱلَّذِي يُرْسِلُ ٱلرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ } قرأ الحرميان وأبو عمرو: بضم النون والشين، وافقهم ابن عامر إلا أنه أسكن الشين، ومثله حمزة والكسائي، إلا أنهما فتحا النون. وقرأ عاصم: " بُشْراً " بالباء المضمومة وسكون الشين، وهكذا اختلافهم في التي في الفرقان والنمل، فالقراءة الأولى والثانية جمع نشور، كرسول ورُسُل. والنَّشْر: الريح الطيبة الهبوب، تهب من كل جانب. قال أبو عبيدة: النَّشْر: المتفرقة من كل جانب. وقيل: النشور بمعنى المنشور، كالركوب بمعنى المركوب. يقال: أنشر الله الريح فنشرت، أي: أحياها فحييت. وأما ابن عامر فإنه خفف الشين، مثل: كُتْب ورُسْل. وأما القراءة الثالثة فمصدر، أو مصدر في موضع الحال. قال أبو علي: يحتمل النشر أن يكون خلاف الطيّ، كأنها كانت بانقطاعها كالمطوية، ويحتمل أن يكون معناها المتفرقة في الوجوه، ويحتمل أن يكون من النشر الذي هو الحياة، كقول الشاعر:
.....................
يا عجباً للميِّت الناشر
قال: وهذا هو الوجه. وأما القراءة الرابعة فجمع بشير؛ كرغيف ورُغُف، وسكنت الشين تخفيفاً، والنصب فيها على الحال، والمعنى: أرسلها مبشرة ليجيء الغيث، وهو قوله: { بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّىٰ إِذَآ أَقَلَّتْ } يعني: حملت الريح. { سَحَاباً } قال الزجاج: جمع سحابة. قال ابن فارس: سُمِّي بذلك؛ لانسحابه في الهواء. { ثِقَالاً } بما فيها من الماء، { سُقْنَاهُ } أي: سقنا السحاب، رد الكناية إلى لفظه وهو واحد، { لِبَلَدٍ } أي: إلى بلد أو لأجل بلد، { مَّيِّتٍ } [بالجدب]، { فَأَنْزَلْنَا بِهِ } أي: بالسحاب أو بالسوق أو بالبلد، { فَأَخْرَجْنَا بِهِ }: يحتمل الوجوه المذكورة في الضمير الذي قبله. والأحسن -والله أعلم- أن يكون المعنى: فأنزلنا بذلك البلد الماء، فأخرجنا بالماء { مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ } أي: مثل ذلك الإخراج الذي أشرنا إليه { نُخْرِجُ ٱلْموْتَىٰ } من قبورهم أحياء، { لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } فتستدلوا بأحد الإخراجين على الآخر. قال ابن عباس: يرسل الله بين النفختين مطراً كمَنيّ الرجال، فينبت الناس في قبورهم كما نبتوا في بطون أمهاتهم. أخبرنا الشيخان أبو القاسم السلمي وأبو بكر الصوفي قالا: أخبرنا عبد الأول بن عيسى، أخبرنا أبو الحسن الداودي، أخبرنا ابن أعين، أخبرنا الفربري، حدثنا البخاري، حدثني محمد، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله: " ما بين النفختين أربعون. قال: أربعون يوماً. قال: أبيت. قال: أربعون شهراً. قال: أبيت. قال: أربعون سنة. قال: أبيت. قال: ثم ينزل الله من السماء ماء فينبتون كما ينبت البقل، ليس من الإنسان شيء إلا يبلى إلا عظم واحد وهو عَجْب الذنب، ومنه يركب الخلق يوم القيامة " هذا حديث متفق على صحته. أخرجه مسلم عن محمد بن العلاء عن أبي معاوية أيضاً.