الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ ٱدْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ } * { وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَٱدْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ ٱلْمُحْسِنِينَ }

قوله تعالى: { ٱدْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً } انتصبا على المصدر أو الحال، بمعنى: ذوي تضرع وخفية، وكذلك { خَوْفاً وَطَمَعاً }.

والتضرع: التذلل والخضوع.

والمعنى: سلوا ربكم واطلبوا منه ما يصلحكم في الدنيا والآخرة متضرعين متملّقين محقين ذلك.

قال الحسن البصري رضي الله عنه: إن الله يحب القلب التقي والدعاء الخفي، إن كان الرجل لقد جمع القرآن وما يشعر به جاره، ولقد أدركنا أقواماً ما كان على الأرض من عمل يقدرون أن يعملوه في السر، فيكون علانية أبداً، ولقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء، وما يسمع لهم صوت إن كان، إلا همساً بينهم وبين ربهم، وذلك أن الله يقول: { ٱدْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً } ، وأن الله تعالى ذكر عبداً صالحاً ورضي فعله فقال تعالى:إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ نِدَآءً خَفِيّاً } [مريم: 3].

أخبرنا حنبل بن عبدالله بن الفرج كتابة، أخبرنا أبو القاسم هبة الله بن الحصين، أخبرنا أبو علي ابن المذهب، أخبرنا أبو بكر أحمد بن جعفر بن حمدان القطيعي، حدثنا عبدالله بن أحمد، حدثني أبي، حدثنا عبدالوهاب الثقفي، حدثنا خالد الحذاء، عن أبي عثمان النهدي، عن أبي موسى الأشعري قال: " كنا مع النبي في غزاة فجعلنا لا نصعد شرفاً، ولا نهبط وادياً، إلا رفعنا أصواتنا بالتكبير. قال: فدنا منا رسول الله فقال: يا أيها الناس! أربعوا على أنفسكم، فإنكم لا تدعون أصم ولا غائباً، إنما تدعون سميعاً بصيراً، إن الذي تدعون أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته. يا عبدالله بن قيس: ألا أعلمك كلمة من كنوز الجنة؟ لا حول ولا قوة إلا بالله " هذا حديث متفق على صحته، أخرجه البخاري عن محمد بن المقاتل، عن ابن المبارك. وأخرجه مسلم عن ابن راهويه، عن عبدالوهاب، كلاهما عن خالد الحذاء.

قوله تعالى: { إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ } يعني: ذوي الاعتداء في الدعاء؛ كاللاعنين والداعين بالشر للمسلمين.

وقال ابن جريج: الاعتداء هاهنا: رفع الصوت.

وقال أبو مجلز: هو أن يسأل ما لا يستحقه من منازل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.

وقد أخرج الإمام أحمد في مسنده من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، أنه سمع ابناً له يدعو وهو يقول: اللهم إني أسألك الجنة ونعيمها وإستبرقها ونحواً من ذلك، وأعوذ بك من النار وسلاسلها وأغلالها، فقال: لقد سألت الله خيراً كثيراً، وتعوذت بالله من شر كثير، وإني سمعت رسول الله يقول: " إنه سيكون قوم يعتدون في الدعاء وقرأ هذه الآية: { ٱدْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ } وإن بحسبك أن تقول: اللهم إني أسألك الجنة وما قرّب إليها من قول وعمل، وأعوذ بك من النار وما قرّب إليها من قول وعمل ".


السابقالتالي
2