الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ يُغْشِي ٱلَّيلَ ٱلنَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ وَٱلنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ ٱلْخَلْقُ وَٱلأَمْرُ تَبَارَكَ ٱللَّهُ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ }

قوله تعالى: { نَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ } في مقدار ستة أيام؛ لأن اليوم عبارة عن الزمان الكائن من طلوع الشمس إلى غروبها، ولم يكن إذ ذاك شمس ولا سماء، ولا فلك دوار، ولا ليل ولا نهار.

وقد روي عن ابن عباس: أن مقدار كل يوم من الستة: ألف سنة. وإليه ذهب كعب ومجاهد والضحاك.

قال الإمام أبو الفرج ابن الجوزي رضي الله عنه: ولو قال قائل إنها كأيام الدنيا كان قوله بعيداً، من وجهين:

أحدهما: خلاف الآثار.

والثاني: الذي يتوهمه المتوهم من الإبطاء في ستة آلاف سنة يتوهمه في ستة أيام عند تصفح قوله:إِنَّمَآ أَمْرُهُ إِذَآ أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ } [يس: 82].

قلت: وقد قيل أنها كأيام الدنيا، وهو الذي يقوى في نظري. ويدل على صحته وجوه:

أحدها: ما أخرج مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة قال: " أخذ رسول الله بيدي فقال: خلق الله عز وجل التربة يوم السبت، وخلق الجبال فيها يوم الأحد، وخلق الشجر يوم الاثنين، وخلق المكروه يوم الثلاثاء، وخلق النور يوم الأربعاء، وبثّ فيها الدواب يوم الخميس، وخلق آدم يوم الجمعة آخر الخلق في آخر ساعة من ساعات الجمعة فيما بين العصر إلى الليل ".

وجه الحجة من الحديث: أنه أخبر بأن الله تعالى خلق المخلوقات المذكورة في هذه الأيام، فإما أن يريد هذه الأيام التي نعرفها أو زماناً يماثلها في قدرها، على معنى: خلق الله التربة في مثل يوم السبت، وكذلك التقدير في سائر الأيام، وأياً ما كان فمقصودنا حاصل.

الثاني: أن الذي ذكرناه هو المتبادر إلى الأذهان والأفهام عند إطلاق الأيام، وهو الظاهر فيجب المصير إليه ما لم يُصرف عنه دليل نقلي أو عقلي. وقول بعض العلماء معارض بمثله.

الثالث: أن المقصود تعريف العباد مقدار زمن الخلق بما يتعارفونه من الأزمان المعبّر عنها بالأيام، فوجب صرف اللفظ إلى ما يعرفونه.

الرابع: أنه سبحانه وتعالى نبّه عباده بما ذكره على عظيم قدرته جلّت عظمته. ومعقولٌ أن حمل الأيام على ما نتعارفه أدل على القدرة العظيمة من حملها على ستة آلاف سنة.

الخامس: قوله تعالى في موضع آخر:وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ } [ق: 38] أي: نصب وتعب، نفى سبحانه وتعالى عن نفسه اللغوب حين ذكر ما دلّ على عظيم اقتداره وبديع صنعته من خلق السموات والأرض في ستة أيام، ولا مرية أن هذا المعنى بالأيام المعلومة أشبه.

فإن قيل: ما الحكمة في إنشاء الخلق في هذا الزمن المتطاول، والله تعالى قادر على إيجاده في أقرب الأزمان؟

قلت: فيه حِكَم؛ منها: إظهار عظمته للملائكة بما يبدي في كل يوم من عجائب قدرته وبدائع صنعته ولطائف حكمته، وتنبيههم على شرف من ابتدع هذه المخلوقات لأجلهم، واخترع هذه المصنوعات لمصالحهم، فإن إنشاء هذه الأشياء شيئاً فشيئاً أبلغ في الحكمة وأوقع في الصدور من وقوعها جملة واحدة.

السابقالتالي
2 3 4