الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَنَادَىٰ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ ٱلْمَآءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى ٱلْكَافِرِينَ } * { ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمُ ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَا فَٱلْيَوْمَ نَنسَـٰهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَآءَ يَوْمِهِمْ هَـٰذَا وَمَا كَانُواْ بِآيَٰتِنَا يَجْحَدُونَ }

قوله تعالى: { وَنَادَىٰ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ } قال ابن عباس: لما صار أصحاب الأعراف إلى الجنة، طمع أهل النار بفرج بعد اليأس فقالوا: يا رب، إن لنا قرابات من أهل الجنة، فأْذن لنا حتى نراهم ونكلمهم، فنظروا إلى قراباتهم في الجنة وما هم فيه من النعيم فعرفوهم، ونظر أهل الجنة إلى قراباتهم من أهل جهنم فلم يعرفوهم، قد اسودّت وجوههم، وصاروا خَلْقاً آخر، فنادى أصحاب النار أصحاب الجنة بأسمائهم وأسماء آبائهم وعرّفوهم قراباتهم: { أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ ٱلْمَآءِ } يعنون: الشراب { أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ }.

قال السدي وابن زيد: يعنون: الطعام.

فعلى هذا هو مثل قول الشاعر:
ورأيتُ زَوْجَكِ في الوَغَى    مُتَقَلِّداً سَيْفاً ورُمْحا
وقول الآخر:
وعَلَفْتُها تِبْناً ومَاءً بَارِداً    ..................
وقد سبق تقدير مثله.

ويجوز أن يكون المعنى: أفيضوا علينا من الماء، أو أفيضوا علينا مما رزقكم الله من سائر الأشربة غير الماء التي يحسن إطلاق الإفاضة عليها.

وقال الزجاج: أَعْلَمَ اللهُ عز وجل أن ابن آدم غير مُستغنٍ عن الطعام والشراب وإن كان معذّباً، وهو قول عامة المفسرين.

فإن قيل: كيف سألوا الممتنع وهو تنعّمهم بما اختص به أهل الجنة؟

قلت: ما هذا بأول أطماعهم الكاذبة، وأمانيهم الخائبة، فإنهم مع إياسهم وقنوطهم يستغيثون من شدة عذابهم:يٰمَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ } [الزخرف: 77] وينادون:رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَآلِّينَ * رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْهَا } [المؤمنون: 106-107]، وهذا شأن المُتَجَنّ، يتعلَّل ما لا يجدي عليه نفعاً، ويستغيث بمن لا يستطيع عنه دفعاً.

{ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى ٱلْكَافِرِينَ } يعني: الطعام والشراب في الآخرة على الكافرين في الدنيا، وهذا تحريم منع لا تحريم تعبد وتكليف.

ثم وصف الكافرين فقال: { اٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ دِينَهُمْ } يعني: دينهم الذي شرع لهم وأُمروا بالاعتصام به، { لَهْواً وَلَعِباً }.

قال ابن عباس رضي الله عنهما: يريد: المستهزئين.

وقيل: اتخذوا دينهم الذي كانوا عليه من أمر البحيرة والسائبة والوصيلة والحامي، وغير ذلك من الخصال المنكرة شرعاً وعقلاً.

{ فَٱلْيَوْمَ نَنسَـٰهُمْ } أي: نتركهم في العذاب أو نفعل بهم فعل الناسين، { كَمَا نَسُواْ لِقَآءَ يَوْمِهِمْ هَـٰذَا } أهملوه ولم يستعدوا للقائه كفراً به واستخفافاً بشأنه.

وقد روى أبو هريرة وأبو سعيد الخدري عن النبي أنه قال: " يؤتى بالعبد يوم القيامة فيقول له: ألم أجعل لك سمعاً وبصراً ومالاً وولداً، وسخرت لك الأنعام والحرث، وتركتك ترأس وتربع، فكنت تظن أنك ملاقي يومك هذا؟ فيقول: لا، فيقول له: اليوم أنساك كما نسيتني ".

قال الترمذي: هذا حديث صحيح غريب.

و " ما " في قوله: { وَمَا كَانُواْ } في موضع جر عطفاً على " ما " التي قبلها.

والمعنى: وما كانوا بآياتنا التي ظهرت دلائل إعجازها وبهرت الفصحاء بدائع حقائقها وأساليب مجازها، { يَجْحَدُونَ } أي: ينكرونها مع العلم بصحتها.