الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَنَادَىۤ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ أَصْحَابَ ٱلنَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً قَالُواْ نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلظَّالِمِينَ } * { ٱلَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً وَهُمْ بِٱلآخِرَةِ كَافِرُونَ } * { وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى ٱلأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْاْ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ أَن سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ } * { وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَآءَ أَصْحَابِ ٱلنَّارِ قَالُواْ رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا مَعَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ }

قوله تعالى: { وَنَادَىۤ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ أَصْحَابَ ٱلنَّارِ } أي: نادوهم اغتباطاً بما أفضوا إليه من النعيم وتقريعاً لأولئك بمسيرهم إلى الجحيم، { أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا } على الإيمان والطاعة { حَقّاً }.

وأَنْ في قوله: " أَنْ قد " مخففة من الثقيلة، كقول الشاعر:
فِي فِتْيَةٍ كَسُيُوفِ الْهِنْدِ قَدْ عَلِمُوا   أَنْ هَالِكٌ كُلُّ مَنْ يَحْفَى وَيَنْتَعِلُ
وقول الآخر:
أُكَاشِرُهُ وأعْلَمُ أن كِلانَا   على ما سَاءَ صَاحِبُه حَرِيص
ويجوز أن تكون مفسرة، وكذلك " أن لعنة الله ".

{ فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ } على الكفر والمعصية { حَقّاً قَالُواْ نَعَمْ } وقرأ الكسائي وحده: " نَعِم " بكسر العين حيث جاء، { فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ } وهو مَلَك يأمره الله تعالى فينادي نداء يسمع أهل الجنة والنار: { أَن لَّعْنَةُ ٱللَّهِ }. وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي " أنّ " بالتشديد، " لعنةَ الله " بالنصب. { عَلَى ٱلظَّالِمِينَ } يعني: الكافرين.

ثم وصفهم فقال: { ٱلَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ... } الآية وقد سبق تفسيرها.

قوله تعالى: { وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ } أي: بين الجنة والنار، أو بين الفريقين حجاب، وهو السور المذكور في قوله:فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ } [الحديد: 13].

{ وَعَلَى ٱلأَعْرَافِ } أي: أعراف الحجاب، وهي أعاليه، واحدها: عُرف، ومنه عُرْف الديك والفرس. قال الشاعر:
ورثت بناء آباء كرام   علوا بالمجد أعراف البناء
وقال أبو هريرة: هي جبال بين الجنة والنار، فهم على أعرافها.

{ رِجَالٌ } قال ابن مسعود وحذيفة وابن عباس وجمهور العلماء: هم قوم تجاوزت بهم حسناتهم النار وقصرت بهم سيئاتهم عن الجنة. ويشهد بصحة هذا ما روي عن النبي " أنهم قوم قتلوا في سبيل الله بمعصية آبائهم ".

ويندرج فيه قول إبراهيم: هم قوم رضي عنهم آباؤهم دون أمهاتهم، أو أمهاتهم دون آبائهم.

وروي عن ابن عباس: أنهم أولاد الزنا.

وقيل: إنهم أولاد المشركين.

وقيل: إنهم قوم عملوا لله لكنهم راؤوا في أعمالهم.

وقال الحسن ومجاهد: أصحاب الأعراف رجال صالحون.

فعلى هذا القول يكون الله تعالى قد أكرمهم بالإشراف على الأعراف ليعرفوا تفاوت ما بين المنزلتين ويتعجلوا السرور بالنجاة من العذاب والفوز بالثواب.

وقال أبو مجلز: هم ملائكة، فقيل له: إنهم رجال، فقال: إن الملائكة ذكور وليسوا بإناث.

وحكى ابن الأنباري والزجاج: أنهم أنبياء.

والأول أظهر وأكثر في التفسير.

قوله تعالى: { يَعْرِفُونَ } أي: يعرف أهل الأعراف { كُلاًّ } من أهل الجنة والنار { بِسِيمَاهُمْ } أي: بعلامتهم.

قال الحسن: علامة أهل النار سواد الوجوه وزرقة العيون، وعلامة أهل الجنة بياض الوجوه وحسن العيون.

{ وَنَادَوْاْ } يعني: أصحاب الأعراف إذا نظروا إلى أهل الجنة نادوهم بالتسليم عليهم.

ثم أخبر الله عز وجل عن حالهم فقال: { لَمْ يَدْخُلُوهَا } يعني: الجنة { وَهُمْ يَطْمَعُونَ } مبتدأ وخبر لا موضع له من الإعراب.

السابقالتالي
2