الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يَابَنِيۤ ءَادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَٱشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُوۤاْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُسْرِفِينَ } * { قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِيۤ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ ٱلرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } * { قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ ٱلْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَٱلإِثْمَ وَٱلْبَغْيَ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }

قوله تعالى: { يَابَنِيۤ ءَادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ } أخرج مسلم في صحيحه من حديث سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: " كانت المرأة تطوف بالبيت عريانة فتقول: من يعيرني تطوافاً؟ تجعله على فرجها وتقول:
اليومَ يبدُو بعضُهُ أو كُلُّه   وما بَدَا منْه فلا أُحِلُّه
فنزلت: { خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ } ".

قال طاووس: لم يأمرهم بالحرير ولا بالديباج، ولكن كان أهل الجاهلية يطوف أحدهم بالبيت عرياناً، ففي ذلك قال: { خُذُواْ زِينَتَكُمْ }.

قال مجاهد: ما وارى عورتك، ولو عباءة.

والمعنى: استروا عوراتكم عند كل مسجد في الطواف والصلاة.

وأخبرنا الشيخان أبو القاسم أحمد بن عبدالله العطار وأبو الحسن علي بن أبي بكر بن روزبة الصوفي قالا: أخبرنا عبد الأول بن عيسى بن شعيب، أخبرنا أبو الحسن عبدالرحمن بن محمد، أخبرنا عبدالله بن أحمد، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، عن الزهري، أخبرني حميد بن عبدالرحمن، أن أبا هريرة قال: " بعثني أبو بكر رضي الله عنه فيمن يؤذن يوم النحر بمنى: لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان ". هذا حديث متفق على صحته. أخرجه مسلم عن حرملة بن يحيى، عن ابن وهب، عن يونس، عن ابن شهاب.

قوله تعالى: { وكُلُواْ وَٱشْرَبُواْ } كانت بنو عامر لا يأكلون في أيام حجهم دسماً، ولا يأكلون من الطعام إلا قوتاً، فقال المسلمون: نحن أحق بذلك، فأنزل الله: { وكُلُواْ وَٱشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُوۤاْ } بتحريم ما أحل الله لكم.

وقيل: لا تسرفوا بأكل الحلال فوق الحاجة.

ويروى: أن الرشيد كان له طبيب نصراني حاذق، فقال لعلي بن حسين بن واقد: ليس في كتابكم من علم الطب شيء؟ فقال علي: قد جمع الله الطب كله في نصف آية من كتابه، قال: وما هي؟ قال: { وكُلُواْ وَٱشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُوۤاْ } فقال النصراني: ولا يؤثر عن رسولكم شيء في الطب؟ فقال علي: قد جمع رسولنا علم الطب في ألفاظ يسيرة، قال: وما هي؟ قال: " المعدة بيت الداء، والحمية رأس الدواء، وعوّدوا كل بدن بما اعتاد ". فقال النصراني: ما ترك كتابكم ولا نبيكم لجالينوس طباً.

قوله تعالى: { قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِيۤ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ ٱلرِّزْقِ } نزلت في إنكار المشركين على المسلمين لبس الثياب في الطواف، وأكل الطيبات من اللحم والألبان والأدهان في زمن الإحرام، { قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } يعني: هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا ولغيرهم.

وإنما اقتصر على ذكر المؤمنين؛ تنبيهاً على أنها خلقت لهم بطريق الأصالة، والكفار في حكم التبعية، ألا ترى إلى قوله:

السابقالتالي
2 3