الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ يَٰبَنِيۤ ءَادَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ ٱلتَّقْوَىٰ ذٰلِكَ خَيْرٌ ذٰلِكَ مِنْ آيَاتِ ٱللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ } * { يَابَنِيۤ ءَادَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ ٱلشَّيْطَانُ كَمَآ أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِّنَ ٱلْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَآ إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا ٱلشَّيَاطِينَ أَوْلِيَآءَ لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ }

قوله تعالى: { يَٰبَنِيۤ ءَادَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً } سبب نزولها: أن المشركين كانوا يطوفون بالبيت عراة؛ تنزهاً عن الطواف في ثياب تدنست بالمعاصي، وتفاؤلاً بالتعري من الذنوب.

وقيل: إنه لما ذكر عري آدم امتنّ علينا فأنزل اللباس.

فإن قيل: اللباس غير منزل، فكيف أوقع عليه لفظ الإنزال؟

قلتُ: عنه جوابان:

أحدهما: أن المعنى: أنزلنا عليكم الحكم به، كما يقال: أنزل الله الصلاة.

الثاني: أنه لما كان اللباس متخذاً من النبات الذي سببه المطر أوقع عليه لفظ الإنزال.

ومثله: { وَرِيشاً }. وقرأتُ لعاصم من رواية أبان والمفضل: " ورياشاً " بزيادة ألف، قيل: هو جمع ريش؛ كشعب وشعاب.

قال سفيان: الريش: المال، والرياش: الثياب.

والأكثرون على أنهما بمعنى واحد.

قال قطرب: هما واحد.

قال ابن قتيبة: الرِّيش والرِّياش: ما ظهر من اللباس.

وقيل: هو الجمال والزينة، استعير من ريش الطائر، فكأنه قيل: أنزلنا عليكم لباسين، لباساً يواري سوآتكم، ولباساً يزينكم.

وقال الزجاج: الرِّيش: اللباس، والرياش: كل ما ستر الرجل في جِسْمِه ومعيشتِه. يقال: قد تريَّش فلان، أي: صار له ما يعيش به، أنشد سيبويه وغيره:
فَرِيشِي مِنْكُمُ وهَوَايَ مَعْكُمْ    وإِنْ كَانَتْ زيارَتُكُمْ لِمَاما
قوله تعالى: { وَلِبَاسُ ٱلتَّقْوَىٰ }: مبتدأ، { ذٰلِكَ }: صفته، { خَيْرٌ }: خبره، كأنه قيل: ولباس التقوى المشار إليه خير.

وقيل: خبره الجملة، كأنه قيل: ولباس التقوى هو خير.

ومعنى الكلام: ولباس التقوى خير لصاحبه عند الله من لباس الثياب.

وقيل: لباس التقوى هو اللباس الأول، فـ { لِبَاسُ ٱلتَّقْوَىٰ } على هذا: خبر مبتدأ محذوف، تقديره: هو لباس التقوى.

وقرأ نافع وابن عامر والكسائي: " ولباسَ التقوى " بالنصب، عطفاً على " لباساً " و " رياشاً " و " ريشاً ".

قال عثمان بن عفان رضي الله عنه: لباس التقوى: هو السمت الحسن.

وقيل: العمل الصالح. رُويا عن ابن عباس.

وقال قتادة: الإيمان.

وقال عروة بن الزبير: خشية الله.

وقال معبد الجهني: الحياء.

وقد روى ابن عباس عن النبي أنه قال: " إن الهديَ الصالح والسمتَ الصالح والاقتصاد جزءٌ من خمسة وعشرين جزءاً من النبوة ".

قال الخطابي: هديُ الرجل: حاله ومذهبه وكذلك سمته، والاقتصاد: سلوك القصد في الأمر والدخول فيه برفق.

والمعنى: أن هذه الخلال من شمائل الأنبياء فاقتدوا بهم فيها، وليس المعنى: النبوة تتجزأ، فإنها غير مكتسبة.

وفيه وجه آخر: أن يكون معنى النبوة هاهنا: ما جاءت به النبوة ودعت إليه الأنبياء عليهم السلام.

قال: ويحتمل وجهاً ثالثاً: أن من اجتمعت له هذه الخصال لقيه الناس بالتعظيم وألبسه الله لباس التقوى الذي يلبسه الأنبياء، وكأنها جزء من النبوة.

قوله تعالى: { ذٰلِكَ } إشارة إلى ما تقدم ذكره من إنزال اللباس والرياش { مِنْ آيَاتِ ٱللَّهِ } الدالة على فضله ونعمته ورحمته لعباده، { لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ } فيعرفوا عظيم نعمته عليهم وإحسانه إليهم.

السابقالتالي
2