قوله تعالى: { يَٰبَنِيۤ ءَادَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً } سبب نزولها: أن المشركين كانوا يطوفون بالبيت عراة؛ تنزهاً عن الطواف في ثياب تدنست بالمعاصي، وتفاؤلاً بالتعري من الذنوب. وقيل: إنه لما ذكر عري آدم امتنّ علينا فأنزل اللباس. فإن قيل: اللباس غير منزل، فكيف أوقع عليه لفظ الإنزال؟ قلتُ: عنه جوابان: أحدهما: أن المعنى: أنزلنا عليكم الحكم به، كما يقال: أنزل الله الصلاة. الثاني: أنه لما كان اللباس متخذاً من النبات الذي سببه المطر أوقع عليه لفظ الإنزال. ومثله: { وَرِيشاً }. وقرأتُ لعاصم من رواية أبان والمفضل: " ورياشاً " بزيادة ألف، قيل: هو جمع ريش؛ كشعب وشعاب. قال سفيان: الريش: المال، والرياش: الثياب. والأكثرون على أنهما بمعنى واحد. قال قطرب: هما واحد. قال ابن قتيبة: الرِّيش والرِّياش: ما ظهر من اللباس. وقيل: هو الجمال والزينة، استعير من ريش الطائر، فكأنه قيل: أنزلنا عليكم لباسين، لباساً يواري سوآتكم، ولباساً يزينكم. وقال الزجاج: الرِّيش: اللباس، والرياش: كل ما ستر الرجل في جِسْمِه ومعيشتِه. يقال: قد تريَّش فلان، أي: صار له ما يعيش به، أنشد سيبويه وغيره:
فَرِيشِي مِنْكُمُ وهَوَايَ مَعْكُمْ
وإِنْ كَانَتْ زيارَتُكُمْ لِمَاما
قوله تعالى: { وَلِبَاسُ ٱلتَّقْوَىٰ }: مبتدأ، { ذٰلِكَ }: صفته، { خَيْرٌ }: خبره، كأنه قيل: ولباس التقوى المشار إليه خير. وقيل: خبره الجملة، كأنه قيل: ولباس التقوى هو خير. ومعنى الكلام: ولباس التقوى خير لصاحبه عند الله من لباس الثياب. وقيل: لباس التقوى هو اللباس الأول، فـ { لِبَاسُ ٱلتَّقْوَىٰ } على هذا: خبر مبتدأ محذوف، تقديره: هو لباس التقوى. وقرأ نافع وابن عامر والكسائي: " ولباسَ التقوى " بالنصب، عطفاً على " لباساً " و " رياشاً " و " ريشاً ". قال عثمان بن عفان رضي الله عنه: لباس التقوى: هو السمت الحسن. وقيل: العمل الصالح. رُويا عن ابن عباس. وقال قتادة: الإيمان. وقال عروة بن الزبير: خشية الله. وقال معبد الجهني: الحياء. وقد روى ابن عباس عن النبي أنه قال: " إن الهديَ الصالح والسمتَ الصالح والاقتصاد جزءٌ من خمسة وعشرين جزءاً من النبوة ". قال الخطابي: هديُ الرجل: حاله ومذهبه وكذلك سمته، والاقتصاد: سلوك القصد في الأمر والدخول فيه برفق. والمعنى: أن هذه الخلال من شمائل الأنبياء فاقتدوا بهم فيها، وليس المعنى: النبوة تتجزأ، فإنها غير مكتسبة. وفيه وجه آخر: أن يكون معنى النبوة هاهنا: ما جاءت به النبوة ودعت إليه الأنبياء عليهم السلام. قال: ويحتمل وجهاً ثالثاً: أن من اجتمعت له هذه الخصال لقيه الناس بالتعظيم وألبسه الله لباس التقوى الذي يلبسه الأنبياء، وكأنها جزء من النبوة. قوله تعالى: { ذٰلِكَ } إشارة إلى ما تقدم ذكره من إنزال اللباس والرياش { مِنْ آيَاتِ ٱللَّهِ } الدالة على فضله ونعمته ورحمته لعباده، { لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ } فيعرفوا عظيم نعمته عليهم وإحسانه إليهم.