الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ ٱلشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ } * { وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي ٱلْغَيِّ ثُمَّ لاَ يُقْصِرُونَ }

قوله تعالى: { إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَواْ } قال ابن عباس: يعني: الشرك والفواحش.

{ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ ٱلشَّيْطَانِ } قرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي: " طَيْفٌ " ، وهو إما مصدر من قولهم: طَافَ يَطِيفُ طَيْفاً، وإما تخفيف طيف، فعيل، من طَافَ يَطيفُ، كَلانَ يَلينُ، أو طافَ يَطوفُ، كَهَانَ يَهونُ، فهو طَيِّف منهما، كَلَيِّن وهَيِّن.

ويؤيد هذا قراءة ابن عباس في آخرين: " طيّف " بالتشديد. وقرأ الباقون " طائف " ، وهما بمعنى واحد.

المعنى: إذا مسّهم لَمَمٌ من الشيطان؛ وسوسة أو غضب أو همّ بمعصية، { تَذَكَّرُواْ } حجج الله وزواجره، وتفكروا في اطلاعه عليهم وعظمته وقدرته، فاستحيوا وخافوا غضبه وعقابه، { فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ } بأعين قلوبهم آثار قبح المعاصي وسوء عاقبتها، فاستتروا من ذلك، خوفاً يردعهم، وحياء يقرعهم.

قال محمد بن كعب القرظي: ما عُبِدَ الله بشيء أحب إليه من ترك المعاصي.

فصل

يتضمن نبذة زاجرة عن ارتكاب المعاصي:

أخرج الإمام أحمد في مسنده من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله: " إذا أذنب الرجل كانت نكتة سوداء في قلبه، فإن تاب ونزع واستغفر صقل قلبه، وإن زاد زادت حتى تعلو قلبه، فذلك الران الذي ذكره الله عز وجل في كتابه: { كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } " قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

وقال أبو الدرداء: إن العبد يخلو بمعاصي الله، فيُلقي الله بغْضَه في قلوب المؤمنين من حيث لا يشعر.

وكتبت عائشة رضي الله عنها إلى معاوية: أما بعد، فإن العبد إذا عمل بمعصية الله عاد حامده من الناس ذاماً.

وفي الحديث عن النبي: " إن العبد ليحرم الرزق قد هيء له بالذنب يصيبه ".

وقال وهب بن منبه: يقول الله عز وجل: " إني إذا أُطعتُ رضيتُ، وإذا رَضيتُ باركتُ، وليس لبركتي نهاية، وإذا عُصيتُ غَضبتُ، وإذا غضبتُ لعنتُ، ولعنتي تبلغ السابع من الولد ".

وروي: أن الله تعالى أوحى إلى موسى: يا موسى! أول من مات إبليس، وذاك لأنه عصاني، وإنما أُعِدُّ من عصاني من الأموات.

قوله تعالى: { وَإِخْوَانُهُمْ } جائز عود الضمير إلى " الذين اتقوا " ، وهو قول جماعة، منهم: ابن الأنباري. والمعنى: وإخوان الذين اتقوا من المشركين، أو كونهم من بني آدم، { يَمُدُّونَهُمْ فِي ٱلْغَيِّ } بما يزينون لهم من الاقتداء بالآباء. والمشهور في التفسير: أن الضمير يعود إلى " الجاهلين " ، التقدير: وإخوان الجاهلين وهم الشياطين.

وقيل: يرجع الضمير إلى الشيطان، وهو اسم جنس، تقديره: وإخوان الشياطين وهم الكفار.

{ يَمُدُّونَهُمْ } يعني: الشياطين يمدون الكفار.

وقرأ نافع: " يُمِدُّونَهُم " بضم الياء وكسر الميم، من الإمداد، وقد سبق ذكره فيما مضى.

قال المفسّرون: المعنى: يمدونهم بالتزيين والإغواء.

{ ثُمَّ لاَ يُقْصِرُونَ } وقرأ الزهري: " يُقَصِّرُون " بالتشديد، أي: لا يقصّرون في إغوائهم.