الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ خُذِ ٱلْعَفْوَ وَأْمُرْ بِٱلْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْجَاهِلِينَ } * { وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيْطَٰنِ نَزْغٌ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }

قوله تعالى: { خُذِ ٱلْعَفْوَ } أخرج البخاري في صحيحه: " أن عبد الله بن الزبير قال في هذه الآية: أمر الله نبيه أن يأخذ العفو من أخلاق الناس " ، أي: الميسور من أخلاقهم، ولا يستقصي عليهم فينفرهم.

وقيل: المعنى: خذ ما تيسر من صدقاتهم، ثم نسخ بالزكاة المفروضة.

وقيل: هو أمر بمساهلة الكفار، فيكون منسوخاً بآية السيف.

قوله تعالى: { وَأْمُرْ بِٱلْعُرْفِ } قال عطاء: لا إله إلا الله.

والمشهور في التفسير: عمومه في كل ما تعرف العقول حُسنه من مكارم الأخلاق.

{ وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْجَاهِلِينَ } يعني: المشركين.

فعلى هذا: تكون منسوخة بآية السيف.

وقد يمتحن بهذه الآية فيقال: ما آية نسخ طرفاها وبقي وسطها؟ فيجاب بهذه.

والصحيح: أنها كلها محكمة، والمعنى: لا تكافئ الجاهلين بسفههم إكراماً لنفسك النفيسة عن الأخلاق الخسيسة.

وقال الربيع بن أنس: الناس رجلان: مؤمن وجاهل، فأما المؤمن فلا تؤذه، وأما الجاهل فلا تجاهله.

ويدل على إحكامها بالمعنى الذي ذكرت، ما أخرج البخاري بإسناده عن ابن عباس قال: " قدم عيينة بن حصن فنزل على ابن أخيه الحر بن قيس، وكان من النفر الذين يدنيهم عمر، فقال عيينة لابن أخيه: يا ابن أخي هل لك وجه عند هذا الأمير [فتستأذن عليه. فاستأذن] الحر لعيينة، فأذن له عمر، فلما دخل عليه قال: ها يا ابن الخطاب، والله ما تعطينا [الجزل]، ولا تحكم بيننا بالعدل، فغضب عمر حتى همّ أن يقع به. فقال له الحر: يا أمير المؤمنين، إن الله عز وجل قال لنبيه: { خُذِ ٱلْعَفْوَ وَأْمُرْ بِٱلْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ ٱلْجَاهِلِينَ } وإن هذا من الجاهلين، فوالله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه، وكان وقّافاً عند كتاب الله ".

ويروى: " أن النبي سأل جبريل عن هذه الآية، فقال: لا أدري حتى أسأل، ثم رجع فقال: يا محمد! إن ربك يأمرك أن تصِل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمن ظلمك ".

وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله: " ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزّاً، ولا تواضع أحد لله إلا رفعه الله ".

وقال جعفر الصادق عليه السلام: ليس في القرآن آية أجمع لمكارم الأخلاق من هذه الآية.

وقال عبدالرحمن بن زيد: لما نزلت هذه الآية قال النبي: " كيف يا رب؟ والغضب " فنزل: { وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيْطَٰنِ نَزْغٌ }.

النَّزْغُ في اللغة: الحركة اليسيرة. والمعنى: وإما يعرضن لك الشيطان بوسوسة يستميلك بها أو غضب يستفزك به، إلى خلاف ما اقتضته هذه الآية.فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ مِنَ ٱلشَّيْطَانِ ٱلرَّجِيمِ } [النحل: 98] معتصماً به من كيده.

السابقالتالي
2