الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِيۤ ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ شَهِدْنَآ أَن تَقُولُواْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَـٰذَا غَافِلِينَ } * { أَوْ تَقُولُوۤاْ إِنَّمَآ أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ ٱلْمُبْطِلُونَ } * { وَكَذٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }

قوله تعالى: { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِيۤ ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ } أخرج الإمام أحمد في المسند من حديث ابن عباس عن النبي أنه قال: " أخذ الله الميثاق من ظهر آدم بنَعْمان - يعني عرفة -، فأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها، ثم نثرهم بين يديه كالذرّ، ثم كلمهم قُبُلاً قال: { أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ شَهِدْنَآ أَن تَقُولُواْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَـٰذَا غَافِلِينَ } إلى قوله: { ٱلْمُبْطِلُونَ } ".

وأخرج مالك في الموطأ: " أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سُئِل عن قوله: { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ... } الآية فقال: سُئِل عنها رسول الله فقال: إن الله تبارك وتعالى خلق آدم، ثم مسح ظهره بيمينه فاستخرج منه ذرية، فقال: خلقت هؤلاء للجنة، وبعمل أهل الجنة يعملون. ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية، فقال: خلقت هؤلاء للنار، وبعمل أهل النار يعملون. فقال رجل: يا رسول الله، ففيم العمل؟ فقال رسول الله: إذا خلق الله العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنة، حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنة فيدخله به الجنة، وإذا خلق الله العبد للنار استعمله بعمل أهل النار، حتى يموت على عمل من أعمال أهل النار فيدخله به النار " هذا حديث صحيح أخرجه أبو داود في سننه، والحاكم في صحيحه.

قال ابن عباس: لما خلق الله تعالى آدم مسح ظهره فأخرج من ظهره كل نسمة هو خالقها إلى يوم القيامة، فقال: ألست بربكم؟ قالوا: بلى. فنودي يومئذ: أن القلم جفّ بما هو كائن بي إلى يوم القيامة.

قوله تعالى: { مِن ظُهُورِهِمْ } بدل من { بَنِيۤ ءَادَمَ } ، وهو بدل البعض من الكل، وفيه دليل على أن الأبناء أخرجوا من ظهور الآباء على نحو توالدهم.

قرأ نافع وابن عامر وأبو عمرو: " ذُرِّياتهم " على الجمع، وقرأ الباقون: { ذُرِّيَّتَهُمْ } بفتح التاء على التوحيد.

قال أبو علي: الذرية تكون واحداً وتكون جمعاً.

{ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ } فأقرّوا جميعاً بربوبيته.

قال الزجاج: جائز أن يكون الله تعالى جعل لأمثال الذَّر فهْماً يعقل به [أمره]، كما قال:قَالَتْ نَمْلَةٌ يٰأَيُّهَا ٱلنَّمْلُ ٱدْخُلُواْ مَسَاكِنَكُمْ } [النمل: 18]، وكما قال:وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ ٱلْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَٱلطَّيْرَ } [الأنبياء: 79].

قال أبيّ بن كعب: جمعهم جميعاً فجعلهم أزواجاً، ثم صوّرهم ثم استنطقهم، ثم قال: { أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ شَهِدْنَآ } أنك إلهنا، قال: فإني أشهد عليكم السماوات السبع والأرضين السبع، وأشهد عليكم أباكم آدم، { أَن تَقُولُواْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَـٰذَا غَافِلِينَ } لم نعلم بهذا.

قال السدي: أجابت طائفة طائعين وطائفة كارهين تقية.

وقوله: " شهدنا " جائز أن يكون من تمام كلام الذرية، فيكون قوله: { أَن تَقُولُواْ } متعلقاً بفعل مضمر، تقديره: فعلنا ذلك، أو ذَكَّرناهم ذلك على ألسنة الرسل بعد أن أخرجناهم إلى الوجود، كراهة أن يقولوا أو لئلا يقولوا.

السابقالتالي
2