الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً ٱللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } * { فَلَماَّ نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا ٱلَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ ٱلسُوۤءِ وَأَخَذْنَا ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ } * { فَلَماَّ عَتَوْاْ عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ }

قوله تعالى: { وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ } أي: جماعة من صالحيهم لم يتلبسوا بخطيئتهم، قالوا [للذين] شمروا عن ساق الجد والاجتهاد في الإنكار على المعتدين، علماً منهم بأنهم لا يرعوون ولا ينتفعون بالموعظة، { لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً ٱللَّهُ مُهْلِكُهُمْ } مستأصل شأفتهم بالمحق { أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً قَالُواْ مَعْذِرَةً } أي: موعظتنا معذرة، أي: إبداء عذر إلى الله؛ لئلا ننسب إلى التفريط بترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وقرأ حفص عن عاصم: { مَعْذِرَةً } بالنصب على المصدر، أي: وعظناهم معذرة، { إِلَىٰ رَبِّكُمْ } أي: اعتذرنا معذرة، { وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } وطمعاً في تقواهم.

قوله تعالى: { فَلَماَّ نَسُواْ } أي: تركوا { مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا ٱلَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ ٱلسُوۤءِ } وهم الذين أمروهم ونهوهم، { وَأَخَذْنَا ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ } قرأ نافع: " بِيسٍ " بكسر الباء من غير همز، وكذلك ابن عامر إلا أنه همز، وقرأ الباقون: بفتح الباء وكسر الهمزة وياء بعدها، على وزن فَعِيل.

وروي عن أبي بكر عن عاصم: بفتح الباء وياء ساكنة بعدها وهمزة مفتوحة بعد الياء، على وزن [فَيْعَل]. والمعنى: بعذاب شديد، وقد ذكرنا في البقرة كيفية اعتدائهم وقصة مسخهم.

فإن قيل: ما صنع بالذين لم يعتدوا ولم ينهوا؟

قلت: قد روي عن ابن زيد أنه قال: نجت الناهية وهلكت الفرقتان.

والصحيح: أنه لم يهلك إلا الفرقة الخاطئة الظالمة، وهو قول جماعة، منهم الحسن البصري.

فإن قيل: الآية دلت على إنجاء الذين ينهون عن السوء فقط، وهذه الفرقة لم تنههم عن السوء؟

قلت: قد نهوهم عن السوء زماناً، ولم يسكتوا حتى يئسوا وعلموا أن الوعظ لا ينجع فيهم ولا ينفع، فسقط عنهم وجوبه، إذ لا فائدة فيه، ألا ترى أنك لو رأيت رجلاً مُصِرّاً على معصية قد خامرت عقله وأشربتها نفسه وصارت ديدناً له لا يراها عاراً وشناراً، بل ربما عدَّ تلبّسه بها شرفاً وفخاراً؛ لكونه يبسط ويقبض، ويرفع ويخفض، ويولي ويعزل، ويركب وينزل، على ما هي عادة الطغاة من الولاة الظلمة الفجرة المتلبسين بسخط الله المغمورين بغضبه، فأمرته بالمعروف ونهيته عن المنكر مراراً فلم يعرج على عظتك، وأعارك أذناً صُماً، وعيناً عُمْياً، فإن عامة العقلاء يعدونك بمعاودته بعد اليأس من صلاحه عابثاً، واضعاً للمواعظ في غير مواضعها، معرضاً نفسك لما لا يحل من العذاب والهوان والأذى، فإن أحسن إليك ذلك المستهتر المتهالك ولم يودك بذلك انخذل بتقبيحك له ما لا مزيد على استحسانه عنده سفيهاً، كما قال قوم شعيب:أَصَلَٰوتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ ءابَاؤُنَآ أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِيۤ أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لأَنتَ ٱلْحَلِيمُ ٱلرَّشِيدُ } [هود: 87].

فإن قيل: هل تجد في الكتاب العزيز ما يدلك على أنهم لم يعذبوا؟

قلت: نعم، قوله عز وجل: { فَلَماَّ عَتَوْاْ عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ } وهذه الفرقة لم تكن عاتية.

السابقالتالي
2