الرئيسية - التفاسير


* تفسير رموز الكنوز في تفسير الكتاب العزيز/ عز الدين عبد الرازق الرسعني الحنبلي (ت 661هـ) مصنف و مدقق مرحلة اولى


{ وَٱكْتُبْ لَنَا فِي هَـٰذِهِ ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي ٱلآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَـآ إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِيۤ أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَآءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَـاةَ وَٱلَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ } * { ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ ٱلنَّبِيَّ ٱلأُمِّيَّ ٱلَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَٱلإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ ٱلطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ ٱلْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَٱلأَغْلاَلَ ٱلَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَٱتَّبَعُواْ ٱلنُّورَ ٱلَّذِيۤ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ }

{ وَٱكْتُبْ لَنَا فِي هَـٰذِهِ ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً } أي: أوجب لنا في هذه الدنيا الأعمال الصالحة المفضية إلى رضاك، { وَفِي ٱلآخِرَةِ } يعني: المغفرة والجنة، { إِنَّا هُدْنَـآ إِلَيْكَ } مِنْ هَادَ يَهُودُ؛ إذا رجع. قال الشاعر:
قَدْ عَلِمَتْ هِنْد وجَارَتُها   أَنِّي مِنَ الناسِ لَها هَائِدُ
والمعنى: رجعنا إليك.

ومنه قول الشاعر:
يَا رَاكِبَ الذَّنْبِ هُدْ هُدْ   واسْجُدْ كَأنكَ هُدْهُدْ
وقرأ أبو وَجْزَة السعدي: " هِدنا " بكسر الهاء، مِنْ هادَه يَهِيدُه؛ إذا حَرَّكَه، ويحتمل أمرين: أن يكون مبنياً للفاعل والمفعول، بمعنى: حرّكنا إليك أنفسنا وأملناها إليك، أو حركنا إليك، على تقدير: فعلنا.

{ قَالَ عَذَابِيۤ أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَآءُ } وقرأ الحسن وابن السميفع: " من أساء " من الإساءة، { وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ } ، قال الحسن وقتادة: وسعت البرّ والفاجر في الدنيا، فإذا كان يوم القيامة فهي للمتقين خاصة.

قال ابن عباس وقتادة: لما نزلت: { وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ } قال إبليس: أنا من ذلك الشيء، فنزعها الله منه فقال: { فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَـاةَ وَٱلَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ }. -قال ابن عباس: يتّقون الشرك. وقال قتادة: الشرك والمعاصي-، فلما نزلت قالت اليهود والنصارى: نحن نتقي ونؤتي الزكاة ونؤمن بآيات الله، فبرأها منهم وجعلها لهذه الأمة فقال: { ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ ٱلنَّبِيَّ ٱلأُمِّيَّ } وهو محمد.

وسمي أمّياً؛ لما ذكرناه في البقرة.

وقيل: لأنه من أُمّ القرى.

{ ٱلَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَٱلإِنْجِيلِ } منعوتاً فيهما، موصوفاً بما يأمرهم به وينهاهم عنه ويحلّه لهم ويحرّمه عليهم.

أخبرنا الشيخان أبو القاسم وأبو الحسن البغداديان، أخبرنا عبد الأول بن عيسى، أخبرنا عبدالرحمن بن محمد، أخبرنا عبدالله بن أحمد، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا محمد بن سنان، حدثنا فليح، حدثنا هلال، عن عطاء بن يسار، قال: " لقيت عبدالله بن عمرو بن العاص، قلت: أخبرني عن صفة رسول الله في التوراة. قال: أجل، والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن، يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً، [وحرزاً] للأميين، أنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل، ليس بفظّ ولا غليظ، ولا سخّاب في الأسواق، ولا يدفع بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويغفر، ولن يتوفاه الله حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا: (لا إله إلا الله)، ويفتح بها أعيناً عُمْياً، وآذاناً صُمّاً، وقلوباً غُلْفاً ". هذا حديث صحيح.

وسأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه أبا مالك -وكان من علماء اليهود- عن صفة النبي في التوراة، فقال: صفته في كتاب بني هارون عليه السلام الذي لم يغير ولم يبدل: أحمد من ولد إسماعيل بن إبراهيم، وهو آخر الأنبياء، وهو النبي العربي الذي يأتي بدين إبراهيم الحنيف، يئتزر على وسطه، ويغسل أطرافه، في عينيه حمرة، وبين كتفيه خاتم النبوة مثل زِرّ الحَجَلة، ليس بالقصير ولا بالطويل، ويلبس الشَّمْلَة، ويجتزئ بالبُلْغَة، ويركب الحمار، ويمشي في الأسواق، معه حرب وقتل وسبي، سيفه على عاتقه، لا يبالي من لقي من الناس، معه صلاة لو كانت في قوم نوح ما أهلكوا بالطوفان، ولو كانت في عاد ما أهلكوا بالريح، ولو كانت في ثمود ما أهلكوا بالصيحة، مولده بمكة، ومنشؤه بها، ودار هجرته يثرب، بين حرة ونخل وسبخة، وهو أُمِّيٌ لا يكتب بيده، هو الحمّاد يحمد الله على كل شدة ورخاء، سلطانه بالشام، صاحبه من الملائكة جبريل، يلقى من قومه أذى شديداً، ثم يدال على قومه فيحصدهم حصد الجريد، تكون له وقعات بيثرب، منها له ومنها عليه، ثم تكون له العاقبة بعد، معه أقوام هم إلى الموت أسرع من الماء من رأس الجبل إلى أسفله، صدورهم أناجيلهم، قربانهم دماؤهم، ليوث النهار، رهبان الليل، يرعب منه عدوه مسيرة شهر، يباشر القتال بنفسه حتى يُجرح ويُكْلَم، لا شرطة معه ولا حرس يحرسه، تسليماً.

السابقالتالي
2 3